كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 16)

مَنْ لاَ يَصْلُحُ، وَإِنْ عَيَّنُوا رَجُلاً يَصْلُحُ فَرَضِيَهُ الإِْمَامُ جَازَ؛ لأَِنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ رَضُوا بِحُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَعَيَّنُوهُ فَرَضِيَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَجَازَ حُكْمَهُ وَقَال: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ (1) .
وَإِنْ مَاتَ مَنِ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فَاتَّفَقُوا عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ يَصْلُحُ قَامَ مَقَامَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، أَوْ طَلَبُوا حُكْمًا لاَ يَصْلُحُ، رُدُّوا إِلَى مَأْمَنِهِمْ، وَكَانُوا عَلَى الْحِصَارِ حَتَّى يَتَّفِقُوا، وَكَذَلِكَ إِنْ رَضُوا بِاثْنَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فَاتَّفَقُوا عَلَى مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ جَازَ، وَإِلاَّ رُدُّوا إِلَى مَأْمَنِهِمْ، وَكَذَلِكَ إِنْ رَضُوا بِتَحْكِيمِ مَنْ لَمْ تَجْتَمِعِ الشَّرَائِطُ فِيهِ وَوَافَقَهُمُ الإِْمَامُ عَلَيْهِ. ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لاَ يَصْلُحُ لَمْ يَحْكُمْ، وَيُرَدُّونَ إِلَى مَأْمَنِهِمْ كَمَا كَانُوا.
34 - وَأَمَّا صِفَةُ الْحُكْمِ: فَإِنْ حَكَمَ أَنْ تُقْتَل مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ نَفَذَ حُكْمُهُ؛ لأَِنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ حَكَمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ بِذَلِكَ، فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ (2) وَإِنْ حَكَمَ بِالْمَنِّ عَلَى الْمُقَاتِلَةِ وَسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ، فَقَال الْقَاضِي يَلْزَمُ حُكْمُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لأَِنَّ الْحُكْمَ إِلَيْهِ
__________
(1) شطر من الحديث السابق، وتقدم تخريجه آنفا.
(2) حديث: " لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة. . . " أخرجه ابن إسحاق من مرسل علقمة بن وقاص كما في الفتح لابن حجر (7 / 412 - ط السلفية) وأصله في صحيح البخاري (الفتح 7 / 411 - ط السلفية) .
فِيمَا يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، فَكَانَ لَهُ الْمَنُّ كَالإِْمَامِ فِي الأَْسِيرِ.
وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ حُكْمَهُ لاَ يَلْزَمُ؛ لأَِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا فِيهِ الْحَظُّ، وَلاَ حَظَّ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْمَنِّ، وَإِنْ حَكَمَ بِالْمَنِّ عَلَى الذُّرِّيَّةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لاَ يَجُوزَ؛ لأَِنَّ الإِْمَامَ لاَ يَمْلِكُ الْمَنَّ عَلَى الذُّرِّيَّةِ إِذَا سُبُوا فَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ، وَيُحْتَمَل الْجَوَازُ لأَِنَّ هَؤُلاَءِ لَمْ يَتَعَيَّنِ السَّبْيُ فِيهِمْ بِخِلاَفِ مَنْ سُبِيَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ رَقِيقًا بِنَفْسِ السَّبْيِ، وَإِنْ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِالْفِدَاءِ جَازَ، لأَِنَّ الإِْمَامَ يُخَيَّرُ فِي الأَْسْرَى بَيْنَ الْقَتْل، وَالْفِدَاءِ، وَالاِسْتِرْقَاقِ، وَالْمَنِّ، فَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ، وَإِنْ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ لَمْ يَلْزَمْ حُكْمُهُ؛ لأَِنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلاَ يَثْبُتُ إِلاَّ بِالتَّرَاضِي، وَلِذَلِكَ لاَ يَمْلِكُ الإِْمَامُ إِجْبَارَ الأَْسِيرِ عَلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، وَإِنْ حَكَمَ بِالْقَتْل وَالسَّبْيِ جَازَ لِلإِْمَامِ الْمَنُّ عَلَى بَعْضِهِمْ، لأَِنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ سَأَل فِي الزُّبَيْرِ بْنِ بَاطَا مِنْ قُرَيْظَةَ وَمَالِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَابَهُ. وَيُخَالِفُ مَال الْغَنِيمَةِ إِذَا حَازَهُ الْمُسْلِمُونَ؛ لأَِنَّ مِلْكَهُمُ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَسْلَمُوا قَبْل الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ عَصَمُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ؛ لأَِنَّهُمْ أَسْلَمُوا وَهُمْ أَحْرَارٌ، وَأَمْوَالُهُمْ لَهُمْ فَلَمْ يَجُزِ اسْتِرْقَاقُهُمْ، بِخِلاَفِ الأَْسِيرِ، فَإِنَّ الأَْسِيرَ قَدْ ثَبَتَتِ الْيَدُ عَلَيْهِ كَمَا تَثْبُتُ عَلَى الذُّرِّيَّةِ، وَلِذَلِكَ جَازَ اسْتِرْقَاقُهُ. وَإِنْ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ نَظَرْتَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِالْقَتْل سَقَطَ لأَِنَّ مَنْ أَسْلَمَ فَقَدْ

الصفحة 154