كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 16)

مِنْهُمْ وَإِقْرَارُهُمْ بِهَا، فَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَال: كَتَبَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَجُوسِ هَجَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمُ الإِْسْلاَمَ، فَمَنْ أَسْلَمَ قَبِل مِنْهُ، وَمَنْ أَبَى ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، عَلَى أَنْ لاَ تُؤْكَل لَهُمْ ذَبِيحَةٌ، وَلاَ تُنْكَحَ لَهُمُ امْرَأَةٌ (1) .
(وَقِسْمٌ) لاَ كِتَابَ لَهُمْ وَلاَ شُبْهَةَ كِتَابٍ، وَهُمْ مَنْ عَدَا هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ مِنْ عَبَدَةِ الأَْوْثَانِ وَسَائِرِ الْكُفَّارِ، فَلاَ تُقْبَل مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ، وَلاَ يُقْبَل مِنْهُمْ سِوَى الإِْسْلاَمِ.
هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
أَمَّا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ فَإِنَّ الْجِزْيَةَ تُقْبَل مِنْ جَمِيعِ الْكُفَّارِ إِلاَّ عَبَدَةَ الأَْوْثَانِ مِنَ الْعَرَبِ (2) ، لأَِنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَى دِينِهِمْ بِالاِسْتِرْقَاقِ، فَيُقَرُّونَ بِبَذْل الْجِزْيَةِ كَالْمَجُوسِ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تُقْبَل مِنْ جَمِيعِ الْكُفَّارِ إِلاَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ (3) . وَتَفْصِيلُهُ فِي: (جِزْيَةٌ) .
وَيَنْتَهِي الْقِتَال كَذَلِكَ بِالْهُدْنَةِ، إِذْ هِيَ لُغَةً
__________
(1) حديث: " كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجوس هجر. . . " أخرجه البيهقي (9 / 192 - ط دائرة المعارف العثمانية) وقال: " هذا مرسل، وإجماع أكثر المسلمين عليه يؤكده ".
(2) المهذب 2 / 231، ونهاية المحتاج 8 / 106، والمغني 8 / 363، 496 - 500، وكشاف القناع 3 / 117.
(3) المراجع السابقة، وحاشية رد المحتار 4 / 129، وفتح القدير 5 / 196، والبدائع 7 / 108، والمدونة 2 / 46، وجواهر الإكليل 1 / 266، وحاشية الدسوقي 2 / 200، ونهاية المحتاج 8 / 100.
الْمُصَالَحَةُ، وَشَرْعًا هِيَ عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ مُصَالَحَةَ أَهْل الْحَرْبِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَال مُدَّةً بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَتُسَمَّى مُوَادَعَةً، وَمُسَالَمَةً، وَمُعَاهَدَةً وَمُهَادَنَةً، وَالأَْصْل فِيهَا قَبْل الإِْجْمَاعِ أَوَّل سُورَةٍ " بَرَاءَةٌ " {إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} (1) ، وَمُهَادَنَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ (2) .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ تَجُوزُ الْهُدْنَةُ لِلْمُدَّةِ الَّتِي يَرَى الإِْمَامُ فِيهَا الْمَصْلَحَةَ وَإِنْ زَادَتْ عَنْ عَشْرِ سِنِينَ، قَال الْمَالِكِيَّةُ: وَنُدِبَ أَنْ لاَ تَزِيدَ عَنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ يَجُوزُ مُهَادَنَةُ الْكُفَّارِ سَنَةً فَمَا زَادَ؛ لأَِنَّهَا مُدَّةٌ تَجِبُ فِيهَا الْجِزْيَةُ، فَلاَ يَجُوزُ إِقْرَارُهُمْ فِيهَا مِنْ غَيْرِ جِزْيَةٍ، وَفِي جَوَازِ مُهَادَنَتِهِمْ فِيمَا زَادَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَمَا دُونَ سَنَةٍ قَوْلاَنِ وَهَذَا فِي حَال قُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ. أَمَّا فِي حَال ضَعْفِهِمْ فَيَجُوزُ عَقْدُهَا إِلَى عَشْرِ سِنِينَ. وَظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ أَنَّهَا لاَ تَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِمُصَالَحَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَشْرًا.
كَمَا لاَ تَجُوزُ الْهُدْنَةُ إِلاَّ لِلنَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِهِمْ ضَعْفٌ عَنْ قِتَال الْكُفَّارِ، وَإِمَّا أَنْ
__________
(1) سورة التوبة / 1.
(2) فتح القدير 5 / 205، وجواهر الإكليل 1 / 269.

الصفحة 163