كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 16)

كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُول: صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ. . . (1) قَال النَّوَوِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْحَدِيثَ: يُسْتَدَل بِهِ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْخَطِيبِ أَنْ يُفَخِّمَ أَمْرَ الْخُطْبَةِ وَيَرْفَعَ صَوْتَهُ وَيُجْزِل كَلاَمَهُ وَيَكُونَ مُطَابِقًا لِلْفَصْل الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيهِ مِنْ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ (2) .
هَذَا وَيَكُونُ الْجَهْرُ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ أَخْفَضَ مِنَ الأُْولَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (3) .
وَلَمْ نَعْثُرْ فِي الْمَذَاهِبِ الأُْخْرَى عَلَى تَفْرِقَةٍ بَيْنَ الْخُطْبَةِ الأُْولَى وَالثَّانِيَةِ مِنْ حَيْثُ الْجَهْرُ وَالإِْخْفَاءُ.
وَلِلتَّفْصِيل (ر: خُطْبَةٌ) .

الْجَهْرُ وَالإِْسْرَارُ بِالأَْذْكَارِ:
27 - نَقَل ابْنُ بَطَّالٍ وَآخَرُونَ أَنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ مُتَّفِقُونَ عَلَى عَدَمِ اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَالتَّكْبِيرِ (4) . وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} (5) .
__________
(1) حديث جابر: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت. . . " أخرجه مسلم (2 / 592 - ط الحلبي) .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 6 / 155 - 156.
(3) الفتاوى الهندية 1 / 147، والجوهرة النيرة 1 / 114 مطبعة عارف بتركيا.
(4) صحيح مسلم بشرح النووي 5 / 84، وكشاف القناع 1 / 366، والفواكه الدواني 2 / 429.
(5) سورة الأعراف / 55.
وَبِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَرْبِعُوا (1) عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا إِنَّهُ مَعَكُمْ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (2) .
وَحَمَل الشَّافِعِيُّ الأَْحَادِيثَ الَّتِي تُفِيدُ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَرَ وَقْتًا يَسِيرًا حَتَّى يُعَلِّمَهُمْ (الصَّحَابَةَ) صِفَةَ الذِّكْرِ لاَ أَنَّهُمْ جَهَرُوا دَائِمًا، وَقَال: فَأَخْتَارُ لِلإِْمَامِ وَالْمَأْمُومِ أَنْ يَذْكُرَا اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلاَةِ وَيُخْفِيَانِ ذَلِكَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ إِمَامًا يُرِيدُ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْهُ فَيَجْهَرَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ تَعَلَّمَ مِنْهُ ثُمَّ يُسِرَّ (3) .
قَال ابْنُ عَلاَّنَ: يُسَنُّ الإِْسْرَارُ فِي سَائِرِ الأَْذْكَارِ، إِلاَّ فِي الْقُنُوتِ لِلإِْمَامِ، وَالتَّلْبِيَةِ، وَتَكْبِيرِ لَيْلَتَيِ الْعِيدِ، وَعِنْدَ رُؤْيَةِ الأَْنْعَامِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَبَيْنَ كُل سُورَتَيْنِ مِنَ الضُّحَى إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ، وَذِكْرِ السُّوقِ، وَعِنْدَ صُعُودِ الْهَضَبَاتِ، وَالنُّزُول مِنَ الشُّرُفَاتِ (4) .
__________
(1) اربعوا بفتح الباء أي ارفقوا.
(2) المجموع 3 / 389. وحديث أبي موسى: " يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 6 / 135 - السلفية) ومسلم (4 / 2077 - الحلبي) .
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 5 / 84، والمجموع 3 / 487.
(4) الفتوحات الربانية 3 / 31 - 32.

الصفحة 194