كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 16)
كَقَبُول عَقْدِ الذِّمَّةِ مِنَ الذِّمِّيِّ حَتَّى لاَ يُقْتَل، وَلَكِنْ لاَ يَكُونُ عُذْرًا فِي الآْخِرَةِ حَتَّى إِنَّهُ يُعَاقَبُ فِيهَا.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ جَهْل الْكُفَّارِ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَحْكَامِ الآْخِرَةِ، فَإِنَّهُ لاَ يَصْلُحُ عُذْرًا أَصْلاً، لأَِنَّهُ مُكَابَرَةٌ وَعِنَادٌ بَعْدَ وُضُوحِ الدَّلاَئِل عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرُبُوبِيَّتِهِ، بِحَيْثُ لاَ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مِنْ حُدُوثِ الْعَالَمِ الْمَحْسُوسِ، وَكَذَا عَلَى حَقِّيَّةَ الرَّسُول مِنَ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ.
وَكَذَا جَهْل صَاحِبِ الْهَوَى الَّذِي يَقُول بِحُدُوثِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ يَقُول بِعَدَمِ إِثْبَاتِ صِفَةٍ لَهُ سُبْحَانَهُ.
هَذَا مَا قَالَهُ الْحَمَوِيُّ، وَقَال الزَّرْكَشِيُّ: الْجَهْل بِالصِّفَةِ هَل هُوَ جَهْلٌ بِالْمَوْصُوفِ مُطْلَقًا أَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ؟
الْمُرَجَّحُ الثَّانِي؛ لأَِنَّهُ جَاهِلٌ بِالذَّاتِ مِنْ حَيْثُ صِفَاتُهَا لاَ مُطْلَقًا، وَمِنْ ثَمَّ لاَ نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْل الْقِبْلَةِ.
وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ أَيْضًا جَهْل مَنْ خَالَفَ فِي اجْتِهَادِهِ الْكِتَابَ أَوِ السُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ أَوِ الإِْجْمَاعَ، أَوْ عَمِل بِالْغَرِيبِ عَلَى خِلاَفِ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ أَصْلاً (1) .
__________
(1) حاشية الحموي على أشباه ابن نجيم 2 / 136 - 137، والمنثور في القواعد للزركشي 2 / 13، ومسلم الثبوت 1 / 28.
ثَانِيًا - الْجَهْل الَّذِي يَصْلُحُ عُذْرًا:
5 - الْجَهْل الَّذِي يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عُذْرًا هُوَ الْجَهْل الَّذِي يَكُونُ فِي مَوْضِعِ الاِجْتِهَادِ الصَّحِيحِ، بِأَنْ لاَ يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ أَوِ الإِْجْمَاعِ، وَذَلِكَ كَالْمُحْتَجِمِ إِذَا أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْحِجَامَةَ مُفْطِرَةٌ لاَ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ؛ لأَِنَّ جَهْلَهُ فِي مَوْضِعِ الاِجْتِهَادِ الصَّحِيحِ (1) . وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (حِجَامَةٌ) .
وَمِنَ الْجَهْل الَّذِي يَصْلُحُ عُذْرًا، الْجَهْل بِالشَّرَائِعِ فِي دَارِ الْحَرْبِ يَكُونُ عُذْرًا مِنْ مُسْلِمٍ أَسْلَمَ فِيهَا وَلَمْ يُهَاجِرْ، حَتَّى لَوْ مَكَثَ فِيهَا وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَلَيْهِ الصَّلاَةَ وَالزَّكَاةَ وَغَيْرَهُمَا وَلَمْ يُؤَدِّهَا لاَ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا خِلاَفًا لِزُفَرَ لِخَفَاءِ الدَّلِيل فِي حَقِّهِ، وَهُوَ الْخِطَابُ لِعَدَمِ بُلُوغِهِ إِلَيْهِ حَقِيقَةً بِالسَّمَاعِ وَتَقْدِيرًا بِالشُّهْرَةِ، فَيَصِيرُ جَهْلُهُ بِالْخِطَابِ عُذْرًا. بِخِلاَفِ الذِّمِّيِّ إِذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ لِشُيُوعِ الأَْحْكَامِ وَالتَّمَكُّنِ مِنَ السُّؤَال (2) .
قَال السُّيُوطِيُّ: كُل مَنْ جَهِل تَحْرِيمَ شَيْءٍ مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ غَالِبُ النَّاسِ لَمْ يُقْبَل مِنْهُ دَعْوَى الْجَهْل إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالإِْسْلاَمِ، أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ يَخْفَى فِيهَا مِثْل ذَلِكَ، كَتَحْرِيمِ الزِّنَى، وَالْقَتْل، وَالسَّرِقَةِ، وَالْخَمْرِ، وَالْكَلاَمِ فِي الصَّلاَةِ، وَالأَْكْل فِي الصَّوْمِ.
__________
(1) الحموي على الأشباه 2 / 137.
(2) الحموي على الأشباه 2 / 138.
الصفحة 199