كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 16)
حُكْمُ الاِنْتِفَاعِ بِالْجِدَارِ بَيْنَ جَارَيْنِ:
7 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الشَّرِيكَ فِي الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ يَنْتَفِعُ بِمِقْدَارِ نَفْعِ شَرِيكِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَزْيَدُ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ بِرِضَاءِ شَرِيكِهِ.
أَمَّا الْجِدَارُ الْمَمْلُوكُ لأَِحَدِ الْجَارَيْنِ فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْجَارِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِجِدَارِ جَارِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَلاَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ صُوَرِ الاِنْتِفَاعِ كَالْبِنَاءِ وَفَتْحِ كَوَّةٍ وَغَرْزِ خَشَبَةٍ وَنَحْوِهِ. لِحَدِيثِ: لاَ يَحِل لاِمْرِئٍ مِنْ مَال أَخِيهِ إِلاَّ مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ (1) وَلأَِنَّهُ انْتِفَاعٌ بِمِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.
وَلَكِنْ يُنْدَبُ لِصَاحِبِ الْجِدَارِ تَمْكِينُ جَارِهِ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِهِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: لاَ يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ (2) .
وَالْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْل الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَأَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ قُدَامَةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ
__________
(1) حديث: " لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه. . . " أخرجه البيهقي في السنن (6 / 97 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث عبد الله بن عباس، وإسناده حسن.
(2) حديث: " لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره " أخرجه البخاري (الفتح 5 / 110 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1230 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة، واللفظ لمسلم.
يَجُوزُ لِلْجَارِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِجِدَارِ جَارِهِ وَيُجْبَرُ مَالِكُهُ عَلَى تَمْكِينِهِ مِنْ ذَلِكَ بِشَرْطِ عَدَمِ الإِْضْرَارِ بِالْجِدَارِ وَبِشَرْطِ قِيَامِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ.
وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي الْقَدِيمِ تَفْصِيلٌ فِي الشُّرُوطِ وَهِيَ: أَنْ يَسْتَغْنِيَ صَاحِبُ الْجِدَارِ عَنْهُ، وَأَنْ لاَ يَزِيدَ الْجَارُ فِي ارْتِفَاعِ الْجُدْرَانِ، وَأَنْ لاَ يَبْنِيَ عَلَيْهِ سَقْفًا، وَأَنْ تَكُونَ الأَْرْضُ لَهُ وَأَنْ لاَ يَمْلِكَ شَيْئًا مِنْ جُدْرَانِ الْبُقْعَةِ الَّتِي يُرِيدُ تَسْقِيفَهَا، أَوْ لاَ يَمْلِكَ إِلاَّ جِدَارًا وَاحِدًا (1) . وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (ارْتِفَاقٌ) (وَحَائِطٌ) .
أَثَرُ الْجِوَارِ فِي ثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ:
8 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ لاَ تَثْبُتُ إِلاَّ لِلشَّرِيكِ غَيْرِ الْمُقَاسِمِ، فَلاَ يَسْتَحِقُّ الْجَارُ الشُّفْعَةَ؛ لأَِنَّ الْحُدُودَ فِي حَقِّهِ قَدْ قُسِمَتْ، وَالطُّرُقُ قَدْ صُرِفَتْ، وَمَا شُرِعَتِ الشُّفْعَةُ إِلاَّ لِدَفْعِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ، وَهُوَ مَعْنًى مُنْتَفٍ فِي الْجَارِ (2) .
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِي كُل مَا لَمْ يُقْسَمْ،
__________
(1) حاشية ابن عابدين 4 / 358، وشرح الزرقاني 6 / 64، وقليوبي وعميرة 2 / 314، والمغني 5 / 36.
(2) الشرح الصغير 3 / 633، ونهاية المحتاج 5 / 196، وكشاف القناع 4 / 134 و 138.
الصفحة 223