كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 16)
الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، وَأَنَّهُ لاَ تَصِحُّ الصَّلاَةُ الْمَفْرُوضَةُ إِلاَّ بِهَذِهِ الأَْرْكَانِ - وَغَيْرِهَا - لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا، وَأَنَّهُ إِذَا عَجَزَ الْمُصَلِّي عَنِ الْقِيَامِ يُصَلِّي قَاعِدًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ. فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يُصَلِّي قَاعِدًا بِالإِْيمَاءِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْقُعُودِ يَسْتَلْقِي وَيُومِئُ إِيمَاءً؛ لأَِنَّ سُقُوطَ أَيٍّ مِنَ الأَْرْكَانِ لِمَكَانِ الْعُذْرِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْعُذْرِ، وَالإِْيمَاءُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ هُوَ تَحْرِيكُ الرَّأْسِ.
6 - وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ عَجَزَ عَنِ الإِْيمَاءِ بِتَحْرِيكِ رَأْسِهِ، وَاخْتِلاَفُهُمْ هُنَا يَحْسُنُ مَعَهُ إِيرَادُ كُل مَذْهَبٍ عَلَى حِدَةٍ.
الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَوْ عَجَزَ عَنِ الإِْيمَاءِ وَهُوَ تَحْرِيكُ الرَّأْسِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا، فَإِنْ نَالَتْهُ مَشَقَّةٌ صَلَّى جَالِسًا، فَإِنْ نَالَتْهُ مَشَقَّةٌ صَلَّى نَائِمًا يُومِئُ بِرَأْسِهِ، فَإِنْ نَالَتْهُ مَشَقَّةٌ سَبَّحَ (1) .
أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَعْذُورٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ الإِْيمَاءُ بِغَيْرِ تَحْرِيكِ الرَّأْسِ كَالْحَاجِبِ لَمَا كَانَ مَعْذُورًا، وَلأَِنَّ الإِْيمَاءَ
__________
(1) حديث: " ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يصلي المريض قائما، فإن نالته مشقة صلى جالسا، فإن نالته مشقة صلى نائما يومئ برأسه، فإن نالته مشقة سبح " ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (2 / 149 - ط القدسي) وقال: رواه الطبراني في الأوسط وقال: لم يروه
لَيْسَ بِصَلاَةٍ حَقِيقِيَّةٍ، وَلِهَذَا لاَ يَجُوزُ التَّنَفُّل بِهِ فِي حَالَةِ الاِخْتِيَارِ، وَلَوْ كَانَ صَلاَةً لَجَازَ كَمَا لَوْ تَنَفَّل قَاعِدًا إِلاَّ أَنَّهُ أُقِيمَ مُقَامَ الصَّلاَةِ بِالشَّرْعِ، وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِالإِْيمَاءِ بِالرَّأْسِ فَلاَ يُقَامُ غَيْرُهُ مُقَامَهُ.
وَقَال زُفَرُ: لَوْ عَجَزَ عَنِ الإِْيمَاءِ بِتَحْرِيكِ الرَّأْسِ يُومِئُ بِالْحَاجِبَيْنِ أَوَّلاً، فَإِنْ عَجَزَ فَبِالْعَيْنَيْنِ، فَإِنْ عَجَزَ فَبِقَلْبِهِ؛ لأَِنَّ الصَّلاَةَ فَرْضٌ دَائِمٌ لاَ يَسْقُطُ إِلاَّ بِالْعَجْزِ، فَمَا عَجَزَ عَنْهُ يَسْقُطُ وَمَا قَدَرَ عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ بِقَدْرِهِ، فَإِذَا قَدَرَ بِالْحَاجِبَيْنِ كَانَ الإِْيمَاءُ بِهِمَا أَوْلَى لأَِنَّهُمَا أَقْرَبُ إِلَى الرَّأْسِ، فَإِنْ عَجَزَ يُومِئُ بِعَيْنَيْهِ لأَِنَّهُمَا مِنَ الأَْعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ، وَجَمِيعُ الْبَدَنِ ذُو حَظٍّ مِنْ هَذِهِ الْعِبَادَةِ فَكَذَا الْعَيْنَانِ، فَإِنْ عَجَزَ فَبِالْقَلْبِ؛ لأَِنَّهُ فِي الْجُمْلَةِ ذُو حَظٍّ مِنْ هَذِهِ الْعِبَادَةِ وَهُوَ النِّيَّةُ، أَلاَ تَرَى أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطُ صِحَّتِهَا، فَعِنْدَ الْعَجْزِ تَنْتَقِل إِلَيْهِ.
وَقَال الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: يُومِئُ بِعَيْنَيْهِ وَحَاجِبَيْهِ وَلاَ يُومِئُ بِقَلْبِهِ؛ لأَِنَّ أَرْكَانَ الصَّلاَةِ تُؤَدَّى بِالأَْعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ، أَمَّا الْبَاطِنَةُ فَلاَ حَظَّ لَهَا مِنْ أَرْكَانِهَا بَل لَهَا حَظٌّ مِنَ الشَّرْطِ وَهُوَ النِّيَّةُ، وَهِيَ قَائِمَةٌ أَيْضًا عِنْدَ الإِْيمَاءِ فَلاَ يُؤَدَّى بِهِ الأَْرْكَانُ وَالشَّرْطُ جَمِيعًا (1) .
وَقَال الْمَازِرِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَقْدِرْ إِلاَّ عَلَى النِّيَّةِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى
__________
(1) بدائع الصنائع 1 / 105 - 107
الصفحة 243