كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 16)
تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ كَالْعَرَايَا (وَهِيَ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ) فَهَذَا الْبَيْعُ فِي الْحَقِيقَةِ مُشْتَمِلٌ عَلَى الرِّبَا؛ لأَِنَّ الرُّطَبَ وَالتَّمْرَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَحَدُهُمَا أَزْيَدُ مِنَ الآْخَرِ قَطْعًا بِلِينِهِ، فَهُوَ أَزْيَدُ أَجْزَاءً مِنَ الآْخَرِ زِيَادَةً لاَ يُمْكِنُ فَصْلُهَا وَتَمْيِيزُهَا، وَلاَ يُمْكِنُ جَعْل الرُّطَبِ مُسَاوِيًا لِلتَّمْرِ عِنْدَ كَمَال نُضْجِهِ، فَالْمُسَاوَاةُ مَظْنُونَةٌ وَلَيْسَتْ مُتَيَقَّنَةً، فَلاَ يَجُوزُ قِيَاسًا بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالآْخَرِ، لَكِنْ جَاءَتِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ مُبِيحَةً لَهُ لِلْحَاجَةِ، (1) رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلاً (2) .
هَذِهِ بَعْضُ أَمْثِلَةٍ لِلْحَاجَةِ الْعَامَّةِ.
18 - ب - وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْحَاجَةِ الْخَاصَّةِ مَا يَأْتِي:
ذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ تَطْبِيقَاتِ قَاعِدَةِ (الْحَاجَةُ الْخَاصَّةُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَ) : الأَْكْل مِنْ طَعَامِ الْكُفَّارِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ لِلْغَانِمِينَ رُخْصَةً لِلْحَاجَةِ وَلاَ يُشْتَرَطُ أَنْ لاَ يَكُونَ مَعَهُ طَعَامٌ آخَرُ، بَل يَأْخُذُ قَدْرَ كِفَايَتِهِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ.
وَمِنْ ذَلِكَ لُبْسُ الْحَرِيرِ لِحَاجَةِ الْجَرَبِ وَالْحِكَّةِ، وَسَكَتَ الْفُقَهَاءُ عَنِ اشْتِرَاطِ وُجُودِ مَا يُغْنِي عَنْهُ مِنْ دَوَاءٍ أَوْ لُبْسٍ كَمَا فِي التَّدَاوِي بِالنَّجَاسَةِ.
__________
(1) أعلام الموقعين 2 / 159.
(2) حديث: " رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلا " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 390 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1169 - ط الحلبي) من حديث زيد بن ثابت.
وَذَكَرَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ فِي قَوَاعِدِهِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكِلاَبِ إِلاَّ لِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ كَحِفْظِ الزَّرْعِ وَالْمَوَاشِي وَاكْتِسَابِ الصَّيُودِ. (1) وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْمَسَائِل الَّتِي ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ.
أَسْبَابُ الْحَاجَةِ:
19 - الإِْنْسَانُ مُحْتَاجٌ إِلَى مَا يُحَقِّقُ مَصَالِحَهُ الدِّينِيَّةَ وَالدُّنْيَوِيَّةَ دُونَ حَرَجٍ وَمَشَقَّةٍ، وَكُل مَا يَلْحَقُ الإِْنْسَانَ مِنْ مَشَقَّةٍ وَحَرَجٍ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمَصْلَحَةِ يُعْتَبَرُ مِنْ أَسْبَابِ الْحَاجَةِ. وَلِذَلِكَ يَقُول الشَّاطِبِيُّ: الْحَاجِيَّاتُ مُفْتَقَرٌ إِلَيْهَا مِنْ حَيْثُ التَّوْسِعَةُ وَرَفْعُ الضِّيقِ الْمُؤَدِّي فِي الْغَالِبِ إِلَى الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ اللاَّحِقَةِ بِفَوْتِ الْمَطْلُوبِ. (2)
وَيُمْكِنُ تَقْسِيمُ أَسْبَابِ الْحَاجَةِ أَوْ حَالاَتِ الْحَاجَةِ إِلَى قِسْمَيْنِ:
الأَْوَّل: أَسْبَابٌ مَصْلَحِيَّةٌ فِي الأَْصْل تَتَعَلَّقُ بِالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ لِلنَّاسِ فِي حَيَاتِهِمُ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ. وَهَذِهِ الْمَصَالِحُ هِيَ مَا شُرِعَ لَهَا مَا يُنَاسِبُهَا وَيُحَقِّقُهَا كَالْبَيْعِ وَالإِْجَارَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَكَذَلِكَ أَحْكَامُ الْجِنَايَاتِ وَالْقِصَاصِ وَالضَّمَانِ وَغَيْرِهَا. (3)
وَالإِْنْسَانُ مُكَلَّفٌ بِعِبَادَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
__________
(1) المنثور في القواعد 2 / 25 - 26، وقواعد الأحكام 2 / 139.
(2) الموافقات 2 / 10، وجمع الجوامع 2 / 281.
(3) الموافقات 1 / 300، وهامش الفروق 2 / 141.
الصفحة 257