كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 16)
الْحَاجَاتُ غَيْرُ الْمَحْدُودَةِ لاَ تَتَرَتَّبُ فِي الذِّمَّةِ:
21 - الْحُقُوقُ مِنَ الْحَاجَاتِ غَيْرِ الْمَحْدُودَةِ لاَزِمَةٌ لِلإِْنْسَانِ وَمُطَالَبٌ بِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا لاَ تَتَرَتَّبُ فِي ذِمَّتِهِ؛ وَذَلِكَ لِمَا يَأْتِي:
أَنَّهَا لَوْ تَرَتَّبَتْ فِي ذِمَّتِهِ لَكَانَتْ مَحْدُودَةً مَعْلُومَةً؛ إِذِ الْمَجْهُول لاَ يَتَرَتَّبُ فِي الذِّمَّةِ وَلاَ يُعْقَل نِسْبَتُهُ إِلَيْهَا، فَلاَ يَصِحُّ أَنْ يَتَرَتَّبَ دَيْنًا.
وَمِثَالُهُ الصَّدَقَاتُ الْمُطْلَقَةُ، وَسَدُّ الْخَلاَّتِ، وَدَفْعُ حَاجَاتِ الْمُحْتَاجِينَ، وَإِغَاثَةُ الْمَلْهُوفِينَ، وَإِنْقَاذُ الْغَرْقَى. . . فَإِذَا قَال الشَّارِعُ: أَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ، أَوْ قَال: اكْسُوا الْعَارِيَ، أَوْ: أَنْفِقُوا فِي سَبِيل اللَّهِ، فَمَعْنَى ذَلِكَ طَلَبُ رَفْعِ الْحَاجَةِ فِي كُل وَاقِعَةٍ بِحَسَبِهَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مِقْدَارٍ، فَإِذَا تَعَيَّنَتْ حَاجَةٌ تَبَيَّنَ مِقْدَارُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِيهَا بِالنَّظَرِ لاَ بِالنَّصِّ، فَإِذَا تَعَيَّنَ جَائِعٌ فَالْمُخَاطَبُ مَأْمُورٌ بِإِطْعَامِهِ وَسَدِّ خَلَّتِهِ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ الإِْطْلاَقِ، فَإِنْ أَطْعَمَهُ مَا لاَ يَرْفَعُ عَنْهُ الْجُوعَ فَالطَّلَبُ بَاقٍ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَفْعَل مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ كَافٍ وَرَافِعٌ لِلْحَاجَةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا أُمِرَ ابْتِدَاءً، وَالَّذِي هُوَ كَافٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ السَّاعَاتِ وَالْحَالاَتِ فِي ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ. (1)
تَقْدِيمُ الْحَوَائِجِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضِهِ:
22 - إِذَا اجْتَمَعَتِ الْحَوَائِجُ وَأَمْكَنَ تَحْصِيلُهَا حُصِّلَتْ، وَذَلِكَ مِثْل الْمُسْتَحِقِّينَ مِنَ الزَّكَاةِ إِذَا
__________
(1) الموافقات 1 / 157.
أَمْكَنَ إِيفَاءُ حَاجَةِ الْجَمِيعِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ إِيفَاءُ حَاجَةِ الْجَمِيعِ قُدِّمَ الأَْشَدُّ حَاجَةً عَلَى غَيْرِهِ. وَلِذَلِكَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ الإِْنْسَانُ بِصَدَقَةِ تَطَوُّعٍ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ لِنَفَقَتِهِ أَوْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ. (1) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال: عِنْدِي دِينَارٌ، قَال: أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ، قَال: عِنْدِي آخَرُ، قَال: أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ، قَال: عِنْدِي آخَرُ قَال: أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِكَ، قَال: عِنْدِي آخَرُ قَال: أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِكَ، قَال: عِنْدِي آخَرُ، قَال: أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ (2) .
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ فِي إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالأَْقْرَبِ فَالأَْقْرَبِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ أَشَدُّ حَاجَةً فَيُقَدِّمُهُ، وَلَوْ كَانَ غَيْرُ الْقَرَابَةِ أَحْوَجَ أَعْطَاهُ، فَإِنْ تَسَاوَوْا قُدِّمَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ، ثُمَّ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ فِي الْجِوَارِ وَأَكْثَرَ دِينًا. (3)
وَيَقُول الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ فِي قَوَاعِدِهِ: النَّفَقَاتُ الَّتِي لَيْسَتْ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْمُفْتَقِرَاتِ إِلَى النِّيَّاتِ فَيُقَدِّمُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ عَلَى نَفَقَةِ آبَائِهِ وَأَوْلاَدِهِ وَزَوْجَاتِهِ، وَيُقَدِّمُ نَفَقَةَ زَوْجَاتِهِ عَلَى نَفَقَةِ آبَائِهِ وَأَوْلاَدِهِ؛ لأَِنَّهَا مِنْ تَتِمَّةِ حَاجَاتِهِ.
__________
(1) المهذب 1 / 182.
(2) حديث أبي هريرة: " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عندي. . . " أخرجه أحمد (2 / 251 - ط الحلبي) . والحاكم (1 / 415 - ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.
(3) المغني 2 / 689، وقواعد الأحكام / 58.
الصفحة 259