كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 16)

الدَّمَ النَّازِل مِنَ الْحَامِل يُعْتَبَرُ حَيْضًا يَمْنَعُ الصَّوْمَ وَالصَّلاَةَ وَالْوَطْءَ، لَكِنَّهُ لاَ يُحْسَبُ مِنْ أَقْرَاءِ الْعِدَّةِ. (1)
أَمَّا الدَّمُ الَّذِي تَرَاهُ الْحَامِل بَيْنَ الْوِلاَدَتَيْنِ فِي أَقَل مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَفِيهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ رَأْيَانِ: الأَْوَّل: أَنَّهُ دَمُ نِفَاسٍ يَمْنَعُ الصَّوْمَ، وَالصَّلاَةَ، وَالْوَطْءَ؛ لأَِنَّهُ دَمٌ خَارِجٌ عَقِيبَ الْوِلاَدَةِ. وَهَذَا رَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. الثَّانِي: أَنَّهُ دَمُ اسْتِحَاضَةٍ لاَ يَمْنَعُ مِنَ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالْجِمَاعِ؛ لأَِنَّ النِّفَاسَ يَتَعَلَّقُ بِوَضْعِ مَا فِي الْبَطْنِ وَهِيَ لاَ تَزَال حُبْلَى، وَهَذَا رَأْيُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ يَكُونُ بِوِلاَدَةِ الثَّانِي؛ لأَِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِفَرَاغِ الرَّحِمِ وَلَمْ يَحْصُل بِوِلاَدَةِ الأَْوَّل. (2) وَتَفْصِيل هَذِهِ الْمَسَائِل فِي مُصْطَلَحِ: (اسْتِحَاضَةٌ ف 22 - 25) وَتَوْأَمٌ (ج 14 103) وَانْظُرْ أَيْضًا مُصْطَلَحَ: (حَيْضٌ، نِفَاسٌ) .

إِفْطَارُ الْحَامِل فِي رَمَضَانَ:
4 - يَجُوزُ لِلْحَامِل أَنْ تُفْطِرَ إِنْ خَافَتْ ضَرَرًا بِغَلَبَةِ
__________
(1) الدسوقي 1 / 170، والمجموع 2 / 384 - 386.
(2) المراجع السابقة.
الظَّنِّ عَلَى نَفْسِهَا وَوَلَدِهَا، وَيَجِبُ ذَلِكَ إِذَا خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا هَلاَكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى، وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ بِلاَ فِدْيَةٍ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. وَاتَّفَقُوا كَذَلِكَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ إِذَا أَفْطَرَتِ الْحَامِل خَوْفًا عَلَى نَفْسِهَا؛ لأَِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ الْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ. (1)
وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهَا الْفِدْيَةُ كَذَلِكَ إِذَا أَفْطَرَتْ خَوْفًا عَلَى وَلَدِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لأَِنَّ الْحَمْل مُتَّصِلٌ بِالْحَامِل، فَالْخَوْفُ عَلَيْهِ كَالْخَوْفِ عَلَى بَعْضِ أَعْضَائِهَا، وَلأَِنَّ الْفِدْيَةَ ثَبَتَتْ عَلَى الشَّيْخِ الْفَانِي بِخِلاَفِ الْقِيَاسِ؛ لأَِنَّهُ لاَ مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِدْيَةِ، وَالْفِطْرُ بِسَبَبِ الْخَوْفِ عَلَى الْوَلَدِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ. (2)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ عِنْدَهُمْ: إِذَا أَفْطَرَتِ الْحَامِل خَوْفًا عَلَى وَلَدِهَا فَعَلَيْهَا مَعَ الْقَضَاءِ الْفِدْيَةُ (طَعَامُ مِسْكِينٍ عَنْ كُل يَوْمٍ) ؛ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (3) أَنَّهُ نُسِخَ حُكْمُهُ إِلاَّ فِي حَقِّ الْحَامِل وَالْمُرْضِعِ إِذَا خَافَتَا عَلَى أَوْلاَدِهِمَا. (4)
__________
(1) الاختيار 1 / 135، وجواهر الإكليل 1 / 135، وتحفة المحتاج 3 / 429، 430، والمغني لابن قدامة 3 / 139.
(2) ابن عابدين 2 / 116، 117، وفتح القدير 2 / 276، والدسوقي 1 / 536.
(3) سورة البقرة / 184.
(4) تحفة المحتاج 3 / 442، وأسنى المطالب 1 / 428، 429، والمغني 3 / 139، 140.

الصفحة 271