كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 16)

{وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَل اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} (1) .
وَلِلْعُلَمَاءِ أَقْوَالٌ فِي نَسْخِ هَذِهِ الآْيَةِ، مِنْهَا: أَنَّ الْحَبْسَ نُسِخَ فِي الزِّنَى فَقَطْ بِالْجَلْدِ وَالرَّجْمِ وَبَقِيَ مَشْرُوعًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ. (2)
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَْرْضِ} (3) . وَبِقَوْلِهِ أَيْضًا: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} (4) فَفِي هَذِهِ الآْيَةِ إِرْشَادٌ إِلَى حَبْسِ مَنْ تَوَجَّبَ عَلَيْهِ الْحَقُّ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ. (5)
وَالآْيَةُ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ لِعَمَل أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ بِهَا فِي الْكُوفَةِ زَمَنَ إِمَارَتِهِ (6) وَفِي الْحَبْسِ جَاءَ قَوْله تَعَالَى: {وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ} (7) . وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّ الْحَصْرَ هُوَ الْحَبْسُ، وَالآْيَةُ لَيْسَتْ
__________
(1) سورة النساء / 15، وانظر التراتيب الإدارية للكتاني 1 / 296، والاختيارات للبعلي ص 295.
(2) أحكام القرآن لابن العربي 1 / 357، والمبسوط للسرخسي 20 / 88، وأحكام القرآن للجصاص 2 / 106، والكشاف للزمخشري 1 / 386، والاختيارات للبعلي ص 295.
(3) الدر المختار للحصكفي 5 / 376، وفتح القدير 5 / 471.
(4) سورة المائدة / 106.
(5) أحكام القرآن لابن العربي 2 / 716، والطرق الحكيمة ص 190.
(6) تفسير الخازن 2 / 71، والطرق الحكيمة ص 186.
(7) سورة التوبة / 5.
مَنْسُوخَةً، وَإِلَى مَشْرُوعِيَّةِ الأَْسْرِ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ. (1) بَل إِنَّ الأَْسِيرَ يُسَمَّى مَسْجُونًا.
وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} (2) وَهِيَ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، وَفِيهَا الأَْمْرُ بِتَقْيِيدِ الأَْسِيرِ، (3) وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مَحْبُوسٌ وَمَسْجُونٌ.
9 - وَمِمَّا يَدُل عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْحَبْسِ فِي السُّنَّةِ حَدِيثُ: لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِل عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ (4) وَيُقْصَدُ بِحِل الْعِرْضِ: إِغْلاَظُ الْقَوْل وَالشِّكَايَةُ، وَبِالْعُقُوبَةِ: الْحَبْسُ. وَهَذَا قَوْل جَمَاعَةٍ مِنْ فُقَهَاءِ السَّلَفِ مِنْهُمْ: سُفْيَانُ وَوَكِيعٌ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ. (5)
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: إِذَا أَمْسَكَ الرَّجُل الرَّجُل، وَقَتَلَهُ الآْخَرُ، فَيُقْتَل الَّذِي قَتَل
__________
(1) الأحكام لابن العربي 2 / 890، وتفسير الطبري 10 / 78، والكشاف 2 / 28، وبدائع الصنائع 7 / 119، والمغني لابن قدامة 8 / 372.
(2) سورة محمد / 4.
(3) الأحكام لابن العربي 4 / 1689، وتفسير ابن كثير 4 / 173.
(4) حديث: " لي الواجد يحل عرضه وعقوبته " أخرجه ابن ماجه (2 / 811 - ط الحلبي) من حديث عمرو بن الشريد، وحسنه ابن حجر في الفتح (5 / 62 - ط السلفية) . واللي: المماطلة.
(5) فتح الباري 5 / 62، وبداية المجتهد 2 / 285، وتفسير القرطبي 2 / 360، ونيل الأوطار 8 / 316، وسبل السلام 3 / 55، وجامع الأصول 4 / 455.

الصفحة 285