كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 16)

يَمَسَّهُ بِعَذَابٍ حَتَّى ظَهَرَ الْكَنْزُ (1) .
وَفِي نَحْوِ هَذَا يَقُول عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: الْمَتَاعُ يُوجَدُ مَعَ الرَّجُل الْمُتَّهَمِ فَيَقُول: ابْتَعْتُهُ، فَاشْدُدْهُ فِي السِّجْنِ وَثَاقًا وَلاَ تَحُلُّهُ حَتَّى يَأْتِيَهُ أَمْرُ اللَّهِ (2) . وَذَلِكَ إِذَا جَرَتِ الْعَادَةُ أَنْ لاَ يَتَحَصَّل ذَلِكَ الْمَتَاعُ لِمِثْل هَذَا الْمُتَّهَمِ. وَإِذَا قَامَتِ الْقَرَائِنُ وَشَوَاهِدُ الْحَال عَلَى أَنَّ الْمُتَّهَمَ بِسَرِقَةٍ - مَثَلاً - كَانَ ذَا عِيَارَةٍ - كَثِيرَ التَّطْوَافِ وَالْمَجِيءِ وَالذَّهَابِ - أَوْ فِي بَدَنِهِ آثَارُ ضَرْبٍ، أَوْ كَانَ مَعَهُ حِينَ أَخَذَ مِنْقَبٌ، قَوِيَتِ التُّهَمَةُ وَسُجِنَ (3) .
37 - وَقَدْ فَصَّل الْقَائِلُونَ بِحَبْسِ التُّهَمَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ أَحْكَامٍ فَذَكَرُوا: أَنَّهُ تَخْتَلِفُ أَحْكَامُ حَبْسِ الْمُتَّهَمِ بِاخْتِلاَفِ حَالِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْل تِلْكَ التُّهَمَةِ وَلَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ صَالِحَةٌ عَلَى اتِّهَامِهِ فَلاَ يَجُوزُ حَبْسُهُ وَلاَ عُقُوبَتُهُ اتِّفَاقًا. وَإِنْ كَانَ الْمُتَّهَمُ مَجْهُول الْحَال لاَ يُعْرَفُ بِبِرٍّ وَلاَ فُجُورٍ، فَهَذَا يُحْبَسُ حَتَّى يَنْكَشِفَ حَالُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. وَإِنْ كَانَ الْمُتَّهَمُ مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ وَالسَّرِقَةِ وَالْقَتْل وَنَحْوِ ذَلِكَ جَازَ حَبْسُهُ، بَل هُوَ أَوْلَى مِمَّنْ قَبْلَهُ (4) .
__________
(1) تبصرة الحكام 2 / 114، والسياسة الشرعية ص 43، والطرق الحكمية ص 7 و 15.
(2) المحلى لابن حزم 11 / 131.
(&# x663 ;) الأحكام السلطانية للماوردي ص 220، والقوانين الفقهية لابن جزي ص 219.
(4) الطرق الحكمية ص 101 - 104، والشرح الكبير 3 / 306، والقوانين الفقهية ص 219، وحاشية ابن عابدين 4 / 88.
فَإِنْ تَعَارَضَتِ الأَْقْوَال فِي الْمُتَّهَمِ أُخِذَ بِخَبَرِ مَنْ شَهِدَ لَهُ بِالْخَيْرِ آخِرًا، سُئِل ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْحَارِثِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ عَنْ رَجُلٍ شَهِدَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ بِالْفَسَادِ وَالرِّيبَةِ، وَشَهِدَ عَلَيْهِ آخَرُونَ بِالصَّلاَحِ وَالْخَيْرِ وَمُجَانَبَةِ أَهْل الرِّيَبِ وَمُتَابَعَةِ شُغْلِهِ وَمَعَاشِهِ فَأَجَابَا: تُقَدَّمُ شَهَادَةُ الآْخَرِينَ إِذَا لَمْ يَعْلَمُوا رُجُوعَهُ عَنْ أَحْوَالِهِ الْحَسَنَةِ إِلَى حِينِ شَهَادَتِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (1) .
38 - وَذَكَرَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: أَنَّ مَا كَانَ الْحَبْسُ فِيهِ أَقْصَى عُقُوبَةً كَالأَْمْوَال فَلاَ يُحْبَسُ الْمُتَّهَمُ حَتَّى تَثْبُتَ بِحُجَّةٍ كَامِلَةٍ.
وَعِنْدَ سُحْنُونٍ وَغَيْرِهِ: مَا كَانَ أَقْصَى عُقُوبَةٍ فِيهِ غَيْرَ الْحَبْسِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ حَيْثُ الأَْقْصَى فِيهَا الْقَطْعُ أَوِ الْقَتْل أَوِ الْجَلْدُ فَيَجُوزُ حَبْسُ الْمُتَّهَمِ فِيهَا بِشَهَادَةٍ حَتَّى تَكْتَمِل الْحُجَّةُ؛ وَلِئَلاَّ يُتَّهَمَ الْقَاضِي بِالتَّهَاوُنِ، وَذَلِكَ حَرَامٌ يُفْضِي إِلَى فَسَادِ الْعَالَمِ. وَمِثَال ذَلِكَ: حَبْسُ الْمُتَّهَمِ بِالسُّكْرِ حَتَّى يَعْدِل الشُّهُودُ.
وَذَهَبَ الْقَاضِي شُرَيْحٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ إِلَى مَنْعِ الْحَبْسِ بِتُهَمَةٍ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ تَامَّةٍ، وَرُوِيَ أَنَّ شُرَيْحًا اسْتَحْلَفَ مُتَّهَمًا - بِأَخْذِ مَال رَجُلٍ غَنِيٍّ مَاتَ فِي سَفَرٍ - وَخَلَّى سَبِيلَهُ (2) .
__________
(1) سورة هود / 114، وانظر المعيار 2 / 426.
(2) الدر المختار وحاشيته 4 / 40 و 5 / 299، وبدائع الصنائع 7 / 65، والعناية للبابرتي 5 / 401، والمغني لابن قدامة 9 / 328، وحاشية القليوبي 4 / 306، وتبصرة الحكام 1 / 407.

الصفحة 293