كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 16)
ط - حَبْسُ مَنْ يُمَارِسُ الطِّبَّ مِنْ غَيْرِ الْمُخْتَصِّينَ:
54 - نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الطَّبِيبَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْل الْمَعْرِفَةِ وَأَخْطَأَ فِي فِعْلِهِ يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ. وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يُحْجَرُ عَلَى الطَّبِيبِ الْجَاهِل، وَذَلِكَ بِمَنْعِهِ مِنْ عَمَلِهِ حِسًّا مَخَافَةَ إِفْسَادِ أَبْدَانِ النَّاسِ (1) .
حَالاَتُ الْحَبْسِ بِسَبَبِ الاِعْتِدَاءِ عَلَى الدِّينِ وَشَعَائِرِهِ:
أ - الْحَبْسُ لِلرِّدَّةِ:
55 - إِذَا ثَبَتَتْ رِدَّةُ الْمُسْلِمِ حُبِسَ حَتَّى تُكْشَفَ شُبْهَتُهُ وَيُسْتَتَابَ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ هَذَا الْحَبْسِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْل الأَْوَّل: أَنَّ حَبْسَ الْمُرْتَدِّ لاِسْتِتَابَتِهِ قَبْل قَتْلِهِ وَاجِبٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أُخْبِرَ عَنْ قَتْل رَجُلٍ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلاَمٍ فَقَال لِقَاتِلِيهِ: أَفَلاَ حَبَسْتُمُوهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَقَدَّمْتُمْ لَهُ خُبْزًا، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قَتَلْتُمُوهُ. . اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أَحْضُرْ وَلَمْ آمُرْ وَلَمْ أَرْضَ إِذْ بَلَغَنِي. فَلَوْ كَانَ
__________
(1) بداية المجتهد 2 / 233، والقوانين الفقهية ص 221، والمعيار 2 / 502، وبدائع الصنائع 7 / 169، والاختيار للموصلي 2 / 96.
حَبْسُهُ غَيْرَ وَاجِبٍ لَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ، وَلَمَا تَبَرَّأَ مِنْ عَمَلِهِمْ، وَقَدْ سَكَتَ الصَّحَابَةُ عَلَى قَوْل عُمَرَ فَكَانَ إِجْمَاعًا سُكُوتِيًّا. ثُمَّ إِنَّ اسْتِصْلاَحَ الْمُرْتَدِّ مُمْكِنٌ بِحَبْسِهِ وَاسْتِتَابَتِهِ فَلاَ يَجُوزُ إِتْلاَفُهُ قَبْل ذَلِكَ. وَبِنَحْوِ هَذَا فَعَل عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (1) .
الْقَوْل الثَّانِي: أَنَّ حَبْسَ الْمُرْتَدِّ لاِسْتِتَابَتِهِ قَبْل قَتْلِهِ مُسْتَحَبٌّ لاَ وَاجِبٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَنْقُول عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَطَاوُسٍ، وَبِهِ قَال بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لِحَدِيثِ: مَنْ بَدَّل دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ (2) وَلأَِنَّهُ يَعْرِفُ أَحْكَامَ الإِْسْلاَمِ، وَقَدْ جَاءَتْ رِدَّتُهُ عَنْ تَصْمِيمٍ وَقَصْدٍ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلاَ يَجِبُ حَبْسُهُ لاِسْتِتَابَتِهِ بَل يُسْتَحَبُّ طَمَعًا فِي رُجُوعِهِ الْمَوْهُومِ. وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَْشْعَرِيَّ بَعَثَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُخْبِرُهُ بِفَتْحِ تُسْتَرَ، فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ قَوْمٍ مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ: مَا أَخْبَارُهُمْ؟ فَقَال
__________
(1) الخرشي 8 / 65، وأسنى المطالب 4 / 122، والإنصاف 10 / 328، والمغني لابن قدامة 8 / 124 - 125، وفتح الباري 12 / 269، والأحكام السلطانية للماوردي ص 56، وخبر عمر أخرجه مالك في الموطأ كما في جامع الأصول 3 / 480، وأبو يوسف في والخراج ص 195، والبيهقي 8 / 207، والشافعي كما في نيل الأوطار 8 / 2، وعبد الرزاق في مصنفه 10 / 165، وفيه أيضا 10 / 164 قصة مماثلة وقعت مع عثمان رضي الله عنه.
(2) حديث: " من بدل دينه فاقتلوه " أخرجه البخاري (الفتح 12 / 267 - ط السلفية) من حديث عبد الله بن عباس.
الصفحة 300