كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 16)

وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً وَبِالْمُؤْمِنِينَ إِخْوَانًا (1) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: اسْتَحَبَّ الأَْكْثَرُ تَلْقِينَهُ، فَيَقُومُ عِنْدَ رَأْسِهِ بَعْدَ تَسْوِيَةِ التُّرَابِ فَيَقُول: " وَذَكَرُوا نَحْوَ مَا ذَكَرَتْهُ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ كَلِمَاتِ التَّلْقِينِ (2) ".
46 - قَال كَثِيرٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ: يُكْرَهُ الاِجْتِمَاعُ عِنْدَ صَاحِبِ الْمَيِّتِ حَتَّى يَأْتِيَ إِلَيْهِ مَنْ يُعَزِّي بَل إِذَا رَجَعَ النَّاسُ مِنَ الدَّفْنِ لِيَتَفَرَّقُوا وَيَشْتَغِلُوا بِأُمُورِهِمْ، وَصَاحِبُ الْمَيِّتِ بِأَمْرِهِ. وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ عَلَى بَابِ الدَّارِ لِلْمُصِيبَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ عَمَل أَهْل الْجَاهِلِيَّةِ، وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ (3) . وَفِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: لاَ بَأْسَ بِالْجُلُوسِ لِلتَّعْزِيَةِ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: اسْتِعْمَال لاَ بَأْسَ هُنَا عَلَى حَقِيقَتِهِ فَإِنَّهُ خِلاَفُ الأَْوْلَى صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. أَمَّا فِي مَسْجِدٍ فَيُكْرَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنِ الْمُجْتَبَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْفَتْحِ.
وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْجُلُوسُ مَعَ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ مِنْ فَرْشِ الْبُسُطِ، وَاتِّخَاذِ الأَْطْعِمَةِ مِنْ أَهْل الْمَيِّتِ، وَإِلاَّ كَانَتْ بِدْعَةً مُسْتَقْبَحَةً، كَمَا فِي مَرَاقِي الْفَلاَحِ وَحَوَاشِيهِ.
__________
(1) شرح البهجة 2 / 122، والحديث في ذلك ضعيف الإسناد، لكن قال ابن الصلاح وغيره: اعتضد بعمل أهل الشام قديما.
(2) غاية المنتهى ص 1 / 251.
(3) حديث: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على باب الدار للمصيبة " لم نعثر عليه في المصادر التي بين أيدينا.
وَنُقِل فِي النَّهْرِ عَنِ التَّجْنِيسِ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِالْجُلُوسِ لَهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، وَكَوْنَهُ عَلَى بَابِ الدَّارِ مَعَ فَرْشِ بُسُطٍ عَلَى قَوَارِعِ الطَّرِيقِ مِنْ أَقْبَحِ الْقَبَائِحِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لاَ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ بِالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، حَتَّى إِذَا فَرَغُوا قَامَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ وَعَزَّاهُ النَّاسُ كَمَا يُفْعَل فِي زَمَانِنَا لِكَوْنِ الْجُلُوسِ مَقْصُودًا لِلتَّعْزِيَةِ لاَ لِلْقِرَاءَةِ، وَلاَ سِيَّمَا إِذَا كَانَ هَذَا الاِجْتِمَاعُ وَالْجُلُوسُ فِي الْمُصِيبَةِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ جَاءَتِ الرُّخْصَةُ فِيهِ، وَلاَ تَجْلِسُ النِّسَاءُ قَطْعًا. وَفَرَّقَ صَاحِبُ الظَّهِيرِيَّةِ بَيْنَ الْجُلُوسِ فِي الْبَيْتِ أَوِ الْمَسْجِدِ وَالْجُلُوسِ عَلَى بَابِ الدَّارِ، فَحَكَمَ عَلَى الأَْوَّل أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ وَقَال فِي الثَّانِي: يُكْرَهُ الْجُلُوسُ عَلَى بَابِ الدَّارِ لِلتَّعْزِيَةِ؛ لأَِنَّهُ عَمَل أَهْل الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ، وَمَا يُصْنَعُ فِي بِلاَدِ الْعَجَمِ مِنْ فَرْشِ الْبُسُطِ، وَالْقِيَامِ عَلَى قَوَارِعِ الطَّرِيقِ مِنْ أَقْبَحِ الْقَبَائِحِ، وَوَافَقَ الشَّافِعِيَّةُ الْحَنَفِيَّةَ فِي كَرَاهِيَةِ الْجُلُوسِ لِلتَّعْزِيَةِ.
وَكَذَا الْحَنَابِلَةُ قَالُوا: كُرِهَ جُلُوسُ مُصَابٍ لَهَا، وَجُلُوسُ مُعَزِّيَةٍ كَذَلِكَ، لاَ بِقُرْبِ دَارِ الْمَيِّتِ لِيَتْبَعَ الْجِنَازَةَ، أَوْ لِيَخْرُجَ وَلِيُّهُ فَيُعَزِّيَهُ، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُبَاحُ الْجُلُوسُ لِقَبُول التَّعْزِيَةِ (1) .
__________
(1) مراقي الفلاح ص 359، 360 وفيه: (فلا يعتمد على ما في الظهيرية من أنه لا بأس به لأهل الميت في البيت أو المسجد والناس باقون ويعزون) . وشرح المنية ص 511، وابن عابدين 1 / 630، وشرح البهجة 2 / 125، وبلغة السالك 1 / 225.

الصفحة 43