كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 16)

أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ (1) . وَأَخْرَجَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ (2) .
وَأَمَّا الْبُكَاءُ بِغَيْرِ صَوْتٍ فَيَدُل عَلَى جَوَازِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُفِعَ إِلَيْهِ ابْنٌ لاِبْنَتِهِ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ (3) فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَقَال: هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ. (4)
وَقَوْل عُمَرَ: - فِي حَقِّ نِسَاءِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ - دَعْهُنَّ يَبْكِينَ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ (5) أَوْ لَقْلَقَةٌ (6) ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا. (7)
__________
(1) حديث: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة. . . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 165 - ط السلفية) ومسلم (1 / 100 - ط عيسى الحلبي) من حديث أبي موسى الأشعري. والصالقة: هي التي ترفع صوتها بالبكاء. والحالقة هي التي تحلق رأسها عند المصيبة. والشاقة هي التي تشق ثوبها عند المصيبة.
(2) حديث: " ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا. . . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 166 - ط السلفية) ومسلم (1 / 99 - ط عيسى الحلبي) من حديث عبد الله بن مسعود.
(3) القعقعة هي حكاية صوت الشيء اليابس إذا حرك.
(4) حديث: " هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده " أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 151 - ط السلفية) ومسلم (2 / 636 - ط عيسى الحلبي) من حديث أسامة بن زيد.
(5) النقع: التراب على الرأس.
(6) اللقلقة: الصوت يعني رفعه.
(7) أثر " دعهن يبكين على أبي سليمان. . . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 160 - ط السلفية) معلقا. والبيهقي (4 / 71 - ط دار المعرفة) موصولا. وعزاه ابن حجر إلى سنن سعيد بن منصور،. والتاريخ الأوسط والصغير للبخاري. (فتح الباري 3 / 161 - ط السلفية) .
وَفِي الصَّبْرِ رَوَى الْبُخَارِيُّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَال: اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي (1) . وَالْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَقَال السَّرَّاجُ: قَدْ أَجْمَعَتِ الأُْمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ النَّوْحِ، وَالدَّعْوَى بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، ذَكَرَهُ الطَّحْطَاوِيُّ (2) .
وَالْمُرَادُ بِالْبُكَاءِ فِي حَدِيثِ: إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ (3) النَّدْبُ، وَالنِّيَاحَةُ، وَإِنَّمَا يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ إِذَا أَوْصَى بِذَلِكَ. (4)
وَفِي غَايَةِ الْمُنْتَهَى مِنْ كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ لاَ يُكْرَهُ بُكَاءٌ عَلَى مَيِّتٍ قَبْل مَوْتٍ وَلاَ بَعْدَهُ، بَل اسْتِحْبَابُ الْبُكَاءِ رَحْمَةً لِلْمَيِّتِ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَحَرُمَ نَدْبٌ وَهُوَ بُكَاءٌ مَعَ تَعْدِيدِ مَحَاسِنِهِ، وَنَوْحٌ وَهُوَ رَفْعُ صَوْتٍ بِذَلِكَ بِرِقَّةٍ وَشَقِّ ثَوْبٍ، وَكُرِهَ
__________
(1) حديث: " اتقي الله واصبري " أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 125 - ط السلفية) . ومسلم (2 / 637 - ط عيسى الحلبي) من حديث أنس بن مالك.
(2) الطحطاوي على مراقي الفلاح ص354
(3) حديث: " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 151 - ط السلفية) ومسلم (2 / 638 - ط عيسى الحلبي) من حديث عبد الله بن عمر.
(4) الدر وابن عابدين 1 / 633، والمقنع 1 / 284، 285.

الصفحة 9