كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 17)
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْحِجَامَةِ:
4 - اعْتَنَى الْفُقَهَاءُ بِبَيَانِ أَحْكَامِ الْحِجَامَةِ مِنْ حَيْثُ تَأْثِيرُهَا عَلَى الطَّهَارَةِ، وَعَلَى الصَّوْمِ، وَعَلَى الإِْحْرَامِ. وَمِنْ حَيْثُ الْقِيَامُ بِهَا، وَأَخْذِ الأَْجْرِ عَلَيْهَا، وَالتَّدَاوِي بِهَا.
تَأْثِيرُ الْحِجَامَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ:
5 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ خُرُوجَ الدَّمِ بِالْحِجَامَةِ نَاقِضٌ مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ. قَال السَّرَخْسِيُّ: الْحِجَامَةُ تُوجِبُ الْوُضُوءَ وَغَسْل مَوْضِعِ الْمِحْجَمَةِ عِنْدَنَا، لأَِنَّ الْوُضُوءَ وَاجِبٌ بِخُرُوجِ النَّجَسِ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَغْسِل مَوْضِعَ الْمِحْجَمَةِ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ أَجْزَأَتْهُ.
وَالْفَصْدُ مِثْل الْحِجَامَةِ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ. فَإِذَا افْتُصِدَ وَخَرَجَ مِنْهُ دَمٌ كَثِيرٌ، وَيُنْتَقَضُ أَيْضًا إِذَا مَصَّتْ عَلَقَةٌ عُضْوًا وَأَخَذَتْ مِنَ الدَّمِ قَدْرًا يَسِيل مِنْهَا لَوْ شُقَّتْ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ وَالْفَصْدَ وَمَصَّ الْعَلَقِ لاَ يُوجِبُ وَاحِدٌ مِنْهَا الْوُضُوءَ. قَال الزَّرْقَانِيُّ: لاَ يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِحِجَامَةٍ مِنْ حَاجِمٍ وَمُحْتَجِمٍ وَفَصْدٍ. وَفِي الأُْمِّ " لاَ وُضُوءَ فِي قَيْءٍ وَلاَ رُعَافٍ وَلاَ حِجَامَةٍ وَلاَ شَيْءٍ خَرَجَ مِنَ الْجَسَدِ وَأُخْرِجَ مِنْهُ غَيْرَ الْفُرُوجِ الثَّلاَثَةِ الْقُبُل وَالدُّبُرِ وَالذَّكَرِ " (1) .
__________
(1) المبسوط 1 / 83، رد المحتار 1 / 91 - 94، شرح الزرقاني على خليل 1 / 92، والأم 1 / 14.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَا خَرَجَ مِنَ الدَّمِ مُوجِبٌ لِلْوُضُوءِ إِذَا كَانَ فَاحِشًا. وَفِي حَدِّ الْفَاحِشِ عِنْدَهُمْ خِلاَفٌ: فَقِيل: الْفَاحِشُ مَا وَجَدَهُ الإِْنْسَانُ فَاحِشًا كَثِيرًا. قَال ابْنُ عَقِيلٍ: إِنَّمَا يُعْتَبَرُ مَا يَفْحُشُ فِي نُفُوسِ أَوْسَاطِ النَّاسِ لاَ الْمُتَبَذِّلِينَ وَلاَ الْمُوَسْوَسِينَ. وَقِيل: هُوَ مِقْدَارُ الْكَفِّ. وَقِيل: عَشَرَةُ أَصَابِعٍ (1) .
تَأْثِيرُ الْحِجَامَةِ عَلَى الصَّوْمِ:
6 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ جَائِزَةٌ لِلصَّائِمِ إِذَا كَانَتْ لاَ تُضْعِفُهُ، وَمَكْرُوهَةٌ إِذَا أَثَّرَتْ فِيهِ وَأَضْعَفَتْهُ، يَقُول ابْنُ نُجَيْمٍ: الاِحْتِجَامُ غَيْرُ مَنَافٍ لِلصَّوْمِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِلصَّائِمِ. إِذَا كَانَ يُضْعِفُهُ عَنِ الصَّوْمِ، أَمَّا إِذَا كَانَ لاَ يُضْعِفُهُ فَلاَ بَأْسَ بِهِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُحْتَجِمَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ ضَعِيفَ الْبَدَنِ لِمَرَضٍ أَوْ خِلْقَةٍ. وَفِي كُلٍّ إِمَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الاِحْتِجَامَ لاَ يَضُرُّهُ، أَوْ يَشُكُّ أَوْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إِنِ احْتَجَمَ لاَ يَقْوَى عَلَى مُوَاصَلَةِ الصَّوْمِ.
فَمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لاَ يَتَضَرَّرُ بِالْحِجَامَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يَحْتَجِمَ. وَمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ سَيَعْجِزُ عَنْ مُوَاصَلَةِ الصَّوْمِ إِذَا هُوَ احْتَجَمَ حَرُمَ عَلَيْهِ. إِلاَّ إِذَا خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ هَلاَكًا أَوْ شَدِيدَ
__________
(1) المغني 1 / 184، نشر مكتبة الرياض الحديثة.
الصفحة 15