كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 17)

مَرْكَزِ اتِّجَاهِ أَرْوَاحِهِمْ، وَمَهْوَى أَفْئِدَتِهِمْ، فَيَتَعَرَّفُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَيَأْلَفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، هُنَاكَ حَيْثُ تَذُوبُ الْفَوَارِقُ بَيْنَ النَّاسِ، فَوَارِقُ الْغِنَى وَالْفَقْرِ، فَوَارِقُ الْجِنْسِ وَاللَّوْنِ، فَوَارِقُ اللِّسَانِ وَاللُّغَةِ، تَتَّحِدُ كَلِمَةُ الإِْنْسَانِ فِي أَعْظَمِ مُؤْتَمَرٍ بَشَرِيٍّ اجْتَمَعَتْ كَلِمَةُ أَصْحَابِهِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَعَلَى التَّوَاصِي بِالْحَقِّ وَالتَّوَاصِي بِالصَّبْرِ، هَدَفُهُ الْعَظِيمُ رَبْطُ أَسْبَابِ الْحَيَاةِ بِأَسْبَابِ السَّمَاءِ.

شُرُوطُ فَرْضِيَّةِ الْحَجِّ:
8 - شُرُوطُ الْحَجِّ صِفَاتٌ يَجِبُ تَوَفُّرُهَا فِي الإِْنْسَانِ لِكَيْ يَكُونَ مُطَالَبًا بِأَدَاءِ الْحَجِّ، مَفْرُوضًا عَلَيْهِ، فَمَنْ فَقَدَ أَحَدَ هَذِهِ الشُّرُوطِ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَلاَ يَكُونُ مُطَالَبًا بِهِ، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ خَمْسَةٌ هِيَ: الإِْسْلاَمُ، وَالْعَقْل، وَالْبُلُوغُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالاِسْتِطَاعَةُ، وَهِيَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، قَال الإِْمَامُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي: لاَ نَعْلَمُ فِي هَذَا كُلِّهِ اخْتِلاَفًا " (1) .

الشَّرْطُ الأَْوَّل: الإِْسْلاَمُ:
9 - أ - لَوْ حَجَّ الْكَافِرُ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ تَجِبُ عَلَيْهِ حَجَّةُ الإِْسْلاَمِ، لأَِنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ، بَل هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ وَالْقُرُبَاتِ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْل الْعِبَادَةِ.
__________
(1) المغني 3 / 218، وكذا ذكر الإجماع الرملي في نهاية المحتاج 2 / 375.
ب - وَلَوْ أَسْلَمَ وَهُوَ مُعْسِرٌ بَعْدَ اسْتِطَاعَتِهِ فِي الْكُفْرِ، فَإِنَّهُ لاَ أَثَرَ لَهَا (1) .
ج - وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لاَ يُطَالَبُ بِالْحَجِّ بِالنِّسْبَةِ لأَِحْكَامِ الدُّنْيَا، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلآْخِرَةِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهِ، هَل يُؤَاخَذُ بِتَرْكِهِ أَوْ لاَ يُؤَاخَذُ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي الْمُصْطَلَحِ الأُْصُولِيِّ.

الشَّرْطُ الثَّانِي: الْعَقْل:
10 - يُشْتَرَطُ لِفَرْضِيَّةِ الْحَجِّ الْعَقْل، لأَِنَّ الْعَقْل شَرْطٌ لِلتَّكْلِيفِ وَالْمَجْنُونُ لَيْسَ مُكَلَّفًا بِفُرُوضِ الدِّينِ، بَل لاَ تَصِحُّ مِنْهُ إِجْمَاعًا، لأَِنَّهُ لَيْسَ أَهْلاً لِلْعِبَادَةِ، فَلَوْ حَجَّ الْمَجْنُونُ فَحَجُّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِذَا شُفِيَ مِنْ مَرَضِهِ وَأَفَاقَ إِلَى رُشْدِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ حَجَّةُ الإِْسْلاَمِ (2) .
رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ (3) .

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: الْبُلُوغُ:
11 - يُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ، لأَِنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ
__________
(1) نهاية المحتاج الموضع السابق.
(2) المغني لابن قدامة 3 / 218، البدائع 2 / 120.
(3) حديث: " رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ. . . . " أخرجه أبو داود (4 / 559 - تحقيق عزت عبيد دعاس) والحاكم (4 / 389 - ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.

الصفحة 27