كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 17)

بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمْلَكْنَاكَهَا بِمَا مَعَك مِنَ الْقُرْآنِ (1) .
ثُمَّ إِِنَّ الذَّاهِبِينَ إِِلَى جَوَازِ ذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مَا يُحَفِّظُهَا إِِيَّاهُ مِنَ السُّوَرِ وَالآْيَاتِ، لأَِنَّ السُّوَرَ وَالآْيَاتِ تَخْتَلِفُ، كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ تَحْفِيظِهَا لِلْقَدْرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنَ السُّوَرِ وَالآْيَاتِ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا هَل يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ الَّتِي يُعَلِّمُهَا وَفْقًا لَهَا أَمْ لاَ؟
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ لأَِنَّ كُل قِرَاءَةٍ تَنُوبُ مَنَابَ الْقِرَاءَةِ الأُْخْرَى، " وَلأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَيِّنْ لِلْمَرْأَةِ قِرَاءَةً مُعَيَّنَةً " وَقَدْ كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِي الْقِرَاءَةِ أَشَدَّ مِنِ اخْتِلاَفِ الْقُرَّاءِ الْيَوْمَ. فَيُعَلِّمُهَا مَا شَاءَ مِنَ الْقِرَاءَاتِ الْمُتَوَاتِرَةِ.
وَيَرَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَجِبُ تَعْيِينُ قِرَاءَةٍ بِعَيْنِهَا لأَِنَّ الأَْغْرَاضَ تَخْتَلِفُ، وَالْقِرَاءَاتِ كَذَلِكَ تَخْتَلِفُ، فَمِنْهَا صَعْبٌ وَمِنْهَا سَهْلٌ، وَنُقِل عَنِ الْبَصْرِيِّينَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يُعَلِّمُهَا مَا غَلَبَ عَلَى قِرَاءَةِ أَهْل الْبَلَدِ، وَإِِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَغْلَبُ عَلَّمَهَا مَا شَاءَ مِنَ الْقِرَاءَاتِ، وَهَذَا إِِذَا لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى قِرَاءَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَمَّا إِِذَا اتَّفَقُوا عَلَى قِرَاءَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحَفِّظَهَا هَذِهِ الْقِرَاءَةَ، فَإِِنْ خَالَفَ
__________
(1) حديث: " أملكناكها بما معك من القرآن ". أخرجه البخاري (الفتح 9 / 175 ط السلفية) ومسلم (3 / 1041 ط الحلبي) من حديث سهل بن سعد.
وَعَلَّمَهَا قِرَاءَةً أُخْرَى غَيْرَهَا فَمُتَطَوِّعٌ وَيَلْزَمُهُ تَعْلِيمُهَا الْقِرَاءَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا عَمَلاً بِالشَّرْطِ.
7 - وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ جَعْل تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ صَدَاقًا فِيمَا لَوْ أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ الْكِتَابِيَّةَ تَعْلِيمَ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِِلَى جَوَازِ ذَلِكَ إِِذَا كَانَ يَتَوَقَّعُ إِِسْلاَمَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ} (1)
أَمَّا إِِذَا لَمْ يَتَوَقَّعْ إِِسْلاَمَهَا فَلاَ يَجُوزُ ذَلِكَ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِِلَى عَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إِِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ (2) وَذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ تَنَالَهُ أَيْدِيهِمْ فَالتَّحْفِيظُ أَوْلَى أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْل (3) .

حُكْمُ حِفْظِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ:
8 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِِلَى أَنَّ حِفْظَ مَا عَدَا الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً مَعَهَا مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَافَّةً أَنْ يُوجَدَ
__________
(1) سورة التوبة / 6.
(2) حديث: " لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو ". أخرجه البخاري (الفتح 8 / 133 ط السلفية) ومسلم (3 / 1490، 1491 ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عمر، واللفظ لمسلم.
(3) القوانين الفقهية ص 206، مغني المحتاج 3 / 238، تحفة المحتاج 7 / 410، المغني لابن قدامة 6 / 686.

الصفحة 325