كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)

فَسَأَل فِيهَا وَأَدَّاهَا (1) .
وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} (2) .
وَمَا رُوِيَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلاَلِيِّ. قَال: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً. فَأَتَيْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ فِيهَا. فَقَال: أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ. فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا. قَال: ثُمَّ قَال يَا قَبِيصَةُ: إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لاَ تَحِل إِلاَّ لأَِحَدِ ثَلاَثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّل حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ قَال سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ وَرَجُل أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلاَثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلاَنًا فَاقَةٌ. فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ، حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَال سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا، قَبِيصَةُ. سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا (3) .

أَحْكَامُ الْحَمَالَةِ:
أ - دَفْعُ الزَّكَاةِ لِلْحَمِيل:
5 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى جَوَازِ دَفْعِ الزَّكَاةِ لِلْحَمِيل إِذَا اسْتَدَانَ لإِِصْلاَحِ ذَاتِ الْبَيْنِ بِسَبَبِ إِتْلاَفِ نَفْسٍ، أَوْ مَالٍ، أَوْ نَهْبٍ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا، قَال الْحَنَابِلَةُ: وَلَوْ كَانَ الإِْصْلاَحُ بَيْنَ أَهْل الذِّمَّةِ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا كَانَ غَنِيًّا:
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ
__________
(1) الإصابة قي تمييز الصحابة 3 / 224، وأسد الغابة 4 / 87 - 88.
(2) سورة الأنفال / 1.
(3) حديث: " يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: رجل. . . " أخرجه مسلم (2 / 722 - ط الحلبي) .
يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا، وَبِهَذَا قَال إِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ تَحِل الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلاَّ لِخَمْسَةٍ: لِغَازٍ فِي سَبِيل اللَّهِ، أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا، أَوْ لِغَارِمٍ، أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ لِرَجُلٍ كَانَ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتَصَدَّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَاهَا الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ (1)
فَيَجُوزُ لِلْمُتَحَمِّل فِي صَلاَحٍ وَبِرٍّ إِذَا اسْتَدَانَ مَالاً لِتَسْكِينِ الثَّائِرَةِ بَيْنَ شَخْصَيْنِ أَوْ قَبِيلَتَيْنِ أَنْ يَقْضِيَ ذَلِكَ مِمَّا يَأْخُذُهُ مِنَ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا إِذَا كَانَ يُجْحِفُ بِمَالِهِ كَالْغَرِيمِ.
وَلأَِنَّ الْحَمِيل قَدْ يَلْتَزِمُ بِمِثْل ذَلِكَ الْمَال الْكَثِيرِ، وَقَدْ أَتَى مَعْرُوفًا عَظِيمًا، وَابْتَغَى صَلاَحًا عَامًّا، فَكَانَ مِنَ الْمَعْرُوفِ حَمْلُهُ عَنْهُ مِنَ الزَّكَاةِ وَتَوْفِيرِ مَالِهِ عَلَيْهِ، لِئَلاَّ يُجْحِفَ بِمَال الْمُصْلِحِينَ، أَوْ يُوهِنَ عَزَائِمَهُمْ عَنْ تَسْكِينِ الْفِتَنِ، وَكَفِّ الْمَفَاسِدِ، فَيُدْفَعُ إِلَيْهِ مَا يُؤَدِّي حَمَالَتَهُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا.
وَأَمَّا إِنِ اسْتَدَانَ الْحَمَالَةَ وَأَدَّاهَا جَازَ لَهُ الأَْخْذُ مِنَ الزَّكَاةِ، لأَِنَّ الْغُرْمَ بَاقٍ، وَالْمُطَالَبَةَ قَائِمَةٌ، فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مَدِينًا بِسَبَبِ الْحَمَالَةِ.
__________
(1) حديث: " لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في. . . " أخرجه أبو داود (2 / 286 - 287 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ، والحاكم (1 / 407 - 408 ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.

الصفحة 123