كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)
كَمَا يَقُول الإِْمَامُ، لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَال لِبُرَيْدَةَ: إِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ فِي الرُّكُوعِ فَقُل: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الأَْرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ بَعْدُ (1) وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول ذَلِكَ وَلَمْ تُفَرِّقِ الرِّوَايَةُ بَيْنَ كَوْنِهِ إِمَامًا وَمُنْفَرِدًا، وَلأَِنَّ مَا شُرِعَ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ فِي حَقِّ الإِْمَامِ شُرِعَ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ، كَسَائِرِ الأَْذْكَارِ.
وَالْمَأْمُومُ يَحْمَدُ - أَيْ يَقُول: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ - فَقَطْ فِي حَال رَفْعِهِ مِنَ الرُّكُوعِ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا قَال الإِْمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ. (2)
فَأَمَّا قَوْل مِلْءَ السَّمَاوَاتِ. وَمَا بَعْدَهُ فَلاَ يُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتَصَرَ عَلَى أَمْرِهِمْ بِقَوْل: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فَدَل عَلَى أَنَّهُ لاَ يُشْرَعُ لَهُمْ سِوَاهُ.
وَلِلْمُصَلِّي - إِمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا -
__________
(1) حديث: " إذا رفعت رأسك من الركوع فقل: سمع الله لمن حمده ". أخرجه الدارقطني (1 / 339 - ط دار المحاسن) وفي إسناده " عمرو بن شمر الجعفي " وهو ضعيف جدا كما في ميزان الاعتدال للذهبي (3 / 268 - ط الحلبي) .
(2) حديث أنس: أخرجه البخاري (الفتح 2 / 173 - ط السلفية) ومسلم (1 / 308 - ط الحلبي) . وحديث أبي هريرة: أخرجه البخاري (الفتح 3 / 283 - ط السلفية) ومسلم (1 / 311 - ط الحلبي) .
قَوْل " رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ " بِلاَ وَاوٍ لِوُرُودِ الْخَبَرِ بِذَلِكَ، وَبِالْوَاوِ أَفْضَل لِلاِتِّفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلِكَوْنِهِ أَكْثَرَ حُرُوفًا، وَيَتَضَمَّنُ الْحَمْدَ مُقَدَّرًا وَمُظْهَرًا، فَإِنَّ التَّقْدِيرَ رَبَّنَا حَمِدْنَاكَ وَلَكَ الْحَمْدُ، لأَِنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الظَّاهِرِ مَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ دَل عَلَى أَنَّ فِي الْكَلاَمِ مُقَدَّرًا.
وَإِنْ شَاءَ الْمُصَلِّي قَال: " اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ " بِلاَ وَاوٍ، وَهُوَ أَفْضَل مِنْهُ مَعَ الْوَاوِ وَإِنْ شَاءَ قَالَهُ بِوَاوٍ. وَذَلِكَ بِحَسَبِ الرِّوَايَاتِ صِحَّةً وَكَثْرَةً وَضِدِّهِمَا.
وَإِذَا رَفَعَ الْمُصَلِّي رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فَعَطَسَ فَقَال: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، يَنْوِي بِذَلِكَ لِمَا عَطَسَ وَلِلرَّفْعِ، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُهُ، لأَِنَّهُ لَمْ يُخْلِصْهُ لِلرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ. وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا يُجْزِئُهُ، لأَِنَّهُ ذِكْرٌ لاَ تُعْتَبَرُ لَهُ النِّيَّةُ وَقَدْ أَتَى بِهِ فَأَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ قَالَهُ ذَاهِلاً وَقَلْبُهُ غَيْرُ حَاضِرٍ، وَقَوْل أَحْمَدَ يُحْمَل عَلَى الاِسْتِحْبَابِ لاَ عَلَى نَفْيِ الإِْجْزَاءِ حَقِيقَةً.
وَيُسَنُّ جَهْرُ الإِْمَامِ بِالتَّسْمِيعِ لِيَحْمَدَ الْمَأْمُومُ عَقِبَهُ، وَلاَ يُسَنُّ جَهْرُ الإِْمَامِ بِالتَّحْمِيدِ، لأَِنَّهُ لاَ يَعْقُبُهُ مِنَ الْمَأْمُومِ شَيْءٌ فَلاَ فَائِدَةَ فِي الْجَهْرِ بِهِ. (1)
ر: مُصْطَلَحَ " تَحْمِيدٌ ".
__________
(1) المغني 1 / 508 - 513، كشاف القناع 1 / 331، 348، 349.
الصفحة 133