كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)

فَكَانَ مُحْتَمِلاً لِلنَّفْيِ إِذِ الْحَمْل تَتَعَلَّقُ بِهِ الأَْحْكَامُ.
وَيَقُول الْكَاسَانِيُّ: (وَلاَ يُقْطَعُ نَسَبُ حَمْلٍ قَبْل الْوِلاَدَةِ بِلاَ خِلاَفٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرٌ، لأَِنَّهُ لاَ يُجِيزُ نَفْيَهُ قَبْل الْوَضْعِ. وَأَمَّا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ، فَلأَِنَّ الأَْحْكَامَ إِنَّمَا تَثْبُتُ لِلْوَلَدِ لاَ لِلْحَمْل وَالْجَنِينِ، إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ الْوَلَدِ بِالْوِلاَدَةِ. وَيَقُول: إِنَّ الْقَذْفَ إِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا لِلِّعَانِ لاَ يَنْقَطِعُ نَسَبُ الْوَلَدِ وَيَكُونُ ابْنَهُمَا وَلاَ يُصَدَّقَانِ عَلَى نَفْيِهِ، لأَِنَّ النَّسَبَ قَدْ ثَبَتَ، وَالنَّسَبُ الثَّابِتُ بِالنِّكَاحِ لاَ يَنْقَطِعُ إِلاَّ بِاللِّعَانِ وَاللِّعَانُ لَمْ يُوجَدْ) .
وَيُصَرِّحُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَشَارِحُهُ: إِنْ قَال الرَّجُل لاِمْرَأَتِهِ زَنَيْتِ وَهَذَا الْحَمْل - الْجَنِينُ - مِنَ الزِّنَى تَلاَعَنَا، لِوُجُودِ الْقَذْفِ الصَّرِيحِ وَلَكِنْ لاَ يَنْتَفِي الْحَمْل لِعَدَمِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ قَبْل الْوِلاَدَةِ. وَيُصَرِّحُ ابْنُ مَوْدُودٍ بِأَنَّهُ لاَ يَنْتَفِي نَسَبُ الْحَمْل قَبْل الْوِلاَدَةِ. (1)
وَيُجِيزُ مَالِكٌ فِي قَوْلٍ نَسَبَ إِلَيْهِ اللِّعَانَ أَثْنَاءَ الْحَمْل لِنَفْيِهِ وَالْحُكْمُ بِنَفْيِهِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لاَعَنَ بَيْنَ هِلاَل بْنِ أُمَيَّةَ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَامِلٌ. (2) وَنَفَى النَّسَبَ
__________
(1) البدائع 3 / 240، 246، تنوير الأبصار والدر المختار وحاشية ابن عابدين 2 / 641 الاختيار شرح المختار 2 / 230.
(2) حديث " أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين هلال بن أمية وبين امرأته " أخرجه البخاري (الفتح 8 / 449 - ط السلفية) من حديث عبد الله بن عباس.
عَنِ الزَّوْجِ: يَقُول ابْنُ رُشْدٍ: وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ فِي نَفْيِ الْحَمْل أَنَّهُ لاَ يَجِبُ بِهِ اللِّعَانُ. (1) وَيَقُول الْخَطِيبُ الشَّافِعِيُّ: إِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ يَنْفِيهِ مَا دَامَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، لأَِنَّ تَرْكَ النَّفْيِ يَتَضَمَّنُ الاِسْتِلْحَاقَ، وَاسْتِلْحَاقُ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ حَرَامٌ. وَإِنَّمَا يُعْلَمُ إِذَا لَمْ يَطَأْ أَوْ وَطِئَهَا وَلَكِنْ وَلَدَتْهُ لأَِقَل مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئِهِ، أَوْ لِزِيَادَةٍ عَلَى أَرْبَعِ سِنِينَ - الَّتِي هِيَ أَقْصَى مُدَّةِ الْحَمْل عِنْدَهُمْ - فَلَوْ عَلِمَ زِنَاهَا وَاحْتَمَل كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَمِنَ الزِّنَى. حَرُمَ النَّفْيُ لِرِعَايَةِ الْفِرَاشِ.
وَفِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ يَنْقُل ابْنُ قُدَامَةَ خِلاَفًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَنَقَل عَنِ الْخِرَقِيِّ وَجَمَاعَةٍ أَنَّ الْحَمْل لاَ يَنْتَفِي بِنَفْيِهِ قَبْل الْوَضْعِ وَلاَ يَنْتَفِي حَتَّى يُلاَعِنَهَا بَعْدَ الْوَضْعِ.
وَقَال أَبُو بَكْرٍ: يَنْتَفِي الْوَلَدُ بِزَوَال الْفِرَاشِ بِاللِّعَانِ، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى نَفْيِ الْحَمْل فِي اللِّعَانِ وَقِيل: يَصِحُّ لَعْنُهُ قَبْل وَضْعِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ قُدَامَةَ وَغَيْرُهُ. وَنَقَل ابْنُ قُدَامَةَ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ الْقَوْل بِجَوَازِ نَفْيِ الْحَمْل، وَأَنَّهُ يُنْفَى بِذَلِكَ، وَأَنَّ الآْثَارَ الَّتِي تَدُل عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْل كَثِيرَةٌ. وَلأَِنَّ الْحَمْل مَظْنُونٌ بِأَمَارَاتٍ تَدُل عَلَيْهِ. وَصَحَّحَ ابْنُ قُدَامَةَ هَذَا الْقَوْل. (2)
__________
(1) بداية المجتهد لابن رشد 2 / 97 نهاية المحتاج 7 / 106، 146، شرح الإقناع 4 / 28.
(2) المغني 7 / 423.

الصفحة 149