كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)
دَائِنَهُ عَلَى مَدِينِهِ إِلَى أَجَلٍ مُعَيَّنٍ كَسَنَةٍ. ثُمَّ لَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، أَنْ يَأْخُذَ مَدِينَهُ بِدَيْنِهِ، أَوْ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِنْهُ، أَوْ يَهَبَهُ لَهُ) . (1) وَمِنْ جُمْلَةِ مَا عَلَّلَهُ بِهِ شَارِحُهُ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ: (إِنَّ حَقَّ الطَّالِبِ تَعَلُّقٌ بِالْمَال الْمُحَال بِهِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْحَجْرَ عَلَى الْمُحِيل عَنِ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَإِلاَّ بَطَل حَقُّ الطَّالِبِ: لأَِنَّ الْمُحَال عَلَيْهِ مَا الْتَزَمَ الْحَوَالَةَ مُطْلَقَةً، وَإِنَّمَا مُقَيَّدَةً بِذَلِكَ الْمَال، فَإِذَا سَقَطَ لَمْ تَبْقَ عَلَيْهِ مُطَالَبَةٌ بِشَيْءٍ. أَلاَ تَرَى أَنَّ الْحَوَالَةَ لَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِوَدِيعَةٍ، فَهَلَكَتْ تِلْكَ الْوَدِيعَةُ، بَطَلَتِ الْحَوَالَةُ) . وَلِذَا نُقِل عَنْهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: إِنَّ الْحِيلَةَ فِي تَأْجِيل الْقَرْضِ أَنْ يُحَال بِهِ الدَّائِنُ عَلَى ثَالِثٍ، فَيُؤَجَّل ذَلِكَ الثَّالِثُ مُدَّةً مَعْلُومَةً. إِذْ هَذَا صَحِيحٌ، وَمِنْ لَوَازِمِهِ أَلاَّ يُطَالِبَ الْمُحِيل، لأَِنَّ الْحَوَالَةَ مُبَرِّئَةٌ مِنْ مُطَالَبَتِهِ، وَلاَ الْمُحَال عَلَيْهِ قَبْل حُلُول أَجَلِهِ بِسَبَبٍ مَا، وَلَوْ بِمَوْتِهِ أَوْ إِسْقَاطِهِ (2) .
ثَالِثًا: أَقْسَامُ الْحَوَالَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ:
25 - لاَ يُوجَدُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ هَذَا التَّنْوِيعُ لِلْحَوَالَةِ إِلَى مُطْلَقَةٍ وَمُقَيَّدَةٍ. وَإِنْ كَانَ مِنَ الْجَائِزِ (عَلَى الْمَرْجُوحِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ) حَوَالَةٌ عَلَى غَيْرِ
__________
(1) البحر على الكنز 6 / 270 وابن عابدين مع رد المحتار 4 / 275، 295، والحموي على الأشباه 2 / 46.
(2) المبسوط للسرخسي 20 / 70 - 71، وجامع الفصولين 2 / 154 والحموي على الأشباه 2 / 47 - 48.
مَدِينٍ - بِشَرْطِ رِضَاهُ - تَتَرَتَّب عَلَيْهَا أَحْكَامُهَا عِنْدَهُمْ وَفِي مُقَدِّمَتِهَا سُقُوطُ دَيْنِ الْمُحِيل وَبَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ (بِصُورَةٍ نِهَائِيَّةٍ غَيْرِ مَوْقُوتَةٍ) ، فَيَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا حَوَالَةٌ مُطْلَقَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُسَمُّوهَا هُمْ بِهَذَا الاِسْمِ.
عَلَى أَنَّ ابْنَ الْمَاجِشُونِ - وَهُوَ صَاحِبُ هَذَا الْقَوْل الْمَرْجُوحِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - قَدِ اشْتَرَطَ أَنْ تَقَعَ الْحَوَالَةُ بِلَفْظِهَا وَإِلاَّ فَهِيَ حَمَالَةٌ، أَيْ ضَمَانٌ (1) (كَفَالَةٌ) .
وَالَّذِي رَجَّحَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، أَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيل الضَّمَانِ، وَلَيْسَ مِنَ الْحَوَالَةِ فِي شَيْءٍ، وَلَوِ اسْتُعْمِل لَفْظُهَا (2) .
وَيُفَرِّعُ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى هَذَا الَّذِي رَجَّحُوهُ قَائِلِينَ: (لَوْ أَعْدَمَ - أَيْ أَفْلَسَ - الْمُحَال عَلَيْهِ لَرَجَعَ الْمُحَال عَلَى الْمُحِيل - إِلاَّ أَنْ يَعْلَمَ الْمُحَال أَنَّهُ لاَ شَيْءَ لِلْمُحِيل عَلَى الْمُحَال عَلَيْهِ - وَيَشْتَرِطُ الْمُحِيل بَرَاءَتَهُ مِنَ الدَّيْنِ، فَلاَ رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ) .
وَلَيْسَ الإِْعْدَامُ، أَيِ الْفَقْرُ، شَرِيطَةً حَتْمِيَّةً عِنْدَهُمْ لِيَثْبُتَ حَقُّ الرُّجُوعِ، بَل مِثْلُهُ الْمَوْتُ وَكُل سَبَبٍ يَتَعَذَّرُ بِهِ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنَ الْمُحَال عَلَيْهِ، كَامْتِنَاعِ ذِي سَطْوَةٍ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَشْهَبَ، وَعَلَيْهَا تَعْوِيلُهُمْ فِي هَذَا الْحُكْمِ خِلاَفًا
__________
(1) المنتقى على الموطأ 5 / 68.
(2) مغني المحتاج على المنهاج 2 / 194 والمغني لابن قدامة 5 / 57.
الصفحة 179