كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)

كَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ إِعْطَاءُ الْخُمُسِ لِغَيْرِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، لأَِنَّهُ لَيْسَ صَدَقَةً وَلاَ عِبَادَةً وَلاَ مَئُونَةً وَلاَ عُقُوبَةً، لأَِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَمْوَال النَّاسِ حَتَّى يَأْخُذَ صِفَةً مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَإِنَّمَا هُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، حَقِيقَةً وَحُكْمًا.

الْقِسْمُ الثَّانِي: حَقُّ الْعَبْدِ الْخَالِصُ
14 - حَقُّ الْعَبْدِ الْخَالِصُ هُوَ: مَا كَانَ نَفْعُهُ مُخْتَصًّا بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ، مِثْل: حُقُوقِ الأَْشْخَاصِ الْمَالِيَّةِ أَوِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَال، كَحَقِّ الدِّيَةِ، وَحَقِّ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ، وَحَقِّ اسْتِرْدَادِ الْمَغْصُوبِ إِنْ كَانَ مَوْجُودًا، أَوْ حَقِّ اسْتِرْدَادِ مِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ إِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ هَالِكًا.
فَتَحْرِيمُ مَال الشَّخْصِ عَلَى غَيْرِهِ حَقٌّ لِهَذَا الشَّخْصِ. حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ حِمَايَةِ مَالِهِ وَصِيَانَتِهِ، وَلِهَذَا يَمْلِكُ أَنْ يُحِل مَالَهُ لِغَيْرِهِ بِالإِْبَاحَةِ وَالتَّمْلِيكِ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا اجْتَمَعَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ وَلَكِنَّ حَقَّ اللَّهِ غَالِبٌ:
15 - مِثَالُهُ: حَدُّ الْقَذْفِ بَعْدَ تَبْلِيغِ الْمَقْذُوفِ، وَثُبُوتُ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ (1) .
__________
(1) قبل رفع الأمر للحاكم وتبليغه بالقذف، فهو حق خالص للإنسان، ولذلك يملك التبليغ عنه، ويملك عدم التبليغ، والتنازل عن حقه.
فَلِلْعَبْدِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ حَقٌّ، لأَِنَّ الْمَقْذُوفَ بِالزِّنَى قَدِ اتُّهِمَ فِي عِرْضِهِ وَدِينِهِ، وَلِلَّهِ فِيهِ حَقٌّ، لأَِنَّ الْقَذْفَ بِالزِّنَى مِسَاسٌ بِالأَْعْرَاضِ عَلَنًا، مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى شُيُوعِ الْفَاحِشَةِ، وَانْتِشَارِ الأَْلْفَاظِ الْمُخِلَّةِ بِالآْدَابِ. وَغَلَبَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِكَيْ يَتَحَتَّمَ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى الْقَاذِفِ، لاِعْتِدَائِهِ عَلَى الْمُجْتَمَعِ وَعَلَى الْمَقْذُوفِ، وَلِكَيْ يَمْنَعَ الْمَقْذُوفَ مِنَ التَّنَازُل عَنْ حَقِّهِ، أَوِ الصُّلْحِ عَلَيْهِ، أَوْ تَوَلِّي تَنْفِيذِ الْحَدِّ بِنَفْسِهِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى تَغْلِيبِ حَقِّ اللَّهِ مَا يَأْتِي:
أ - تَدَاخُل الْعُقُوبَةِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ قَذَفَ جَمَاعَةً بِكَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ، لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ إِلاَّ حَدٌّ وَاحِدٌ فَقَطْ.
ب - لاَ يَجْرِي فِيهِ الإِْرْثُ.
ج - لاَ يَسْقُطُ بِعَفْوِ الْمَقْذُوفِ.
د - تَتَنَصَّفُ الْعُقُوبَةُ بِالرِّقِّ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} . (1)
هـ - يُفَوَّضُ تَنْفِيذُ الْحَدِّ لِلإِْمَامِ.

الْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَا اجْتَمَعَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ لَكِنَّ حَقَّ الْعَبْدِ غَالِبٌ:
16 - مِثْل: الْقِصَاصِ مِنَ الْقَاتِل عَمْدًا عُدْوَانًا.
فَلِلَّهِ فِيهِ حَقٌّ، لأَِنَّهُ اعْتِدَاءٌ عَلَى الْمُجْتَمَعِ، وَاعْتِدَاءٌ عَلَى مَخْلُوقِ اللَّهِ وَعَبْدِهِ الَّذِي حَرَّمَ دَمَهُ
__________
(1) سورة النساء / 25.

الصفحة 18