كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)
يَقْبِضْهُ، وَفِي الْحَالَةِ الأُْولَى: إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَال بَاقِيًا عِنْدَهُ أَوْ هَالِكًا.
44 - الاِحْتِمَال الأَْوَّل: أَنَّ الْمُحَال لَمْ يَقْبِضِ الْمَال:
فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَنْعَزِل الْوَكِيل مِنَ الْوَكَالَةِ بِإِنْكَارِهِ إِيَّاهَا، فَلاَ يَكُونُ لَهُ الْحَقُّ فِي الْقَبْضِ مِنَ الْمُحَال عَلَيْهِ، وَهَل يَرْجِعُ بِدَيْنِهِ عَلَى الْمُحِيل؟ الصَّوَابُ: نَعَمْ، لأَِنَّ الْمُحِيل يُنْكِرُ الْحَوَالَةَ، وَقِيل: لاَ يَرْجِعُ، مُؤَاخَذَةً لَهُ بِقَوْل نَفْسِهِ لأَِنَّ مُقْتَضَى الْحَوَالَةِ الَّتِي يَدَّعِيهَا بَرَاءَةُ الْمُحِيل، وَثُبُوتُ حَقِّهِ عَلَى الْمُحَال عَلَيْهِ - وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُحِيل مِنْهُ - لأَِنَّهُ فِي نَظَرِهِ وَزَعْمِهِ لَيْسَ إِلاَّ قَبْضَ ظَالِمٍ مَا لَيْسَ لَهُ بِحَقٍّ.
45 - الاِحْتِمَال الثَّانِي: أَنَّ الْمُحَال قَبَضَ الْمَال، وَمَا زَال عِنْدَهُ.
فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ عَلَى الْمُحَال رَدُّ مَا قَبَضَهُ إِلَى الْمُحِيل، وَلِلْمُحِيل اسْتِرْدَادُهُ مِنْهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ هُوَ عَلَى الْمُحِيل بِدَيْنِهِ، لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ مُحَالاً فَقَدِ اسْتَرَدَّ مِنْهُ الْمُحِيل مَا قَبَضَهُ عَلَى أَسَاسِ الْحَوَالَةِ فَعَلَى الْمُحِيل أَنْ يَفِيَهُ دَيْنَهُ، وَإِنْ كَانَ وَكِيلاً فَحَقُّهُ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيل.
هَكَذَا قَالُوا، مَعَ تَسْلِيمِهِمْ بِأَنَّهُ دَائِنٌ، وَلَمْ يَقُولُوا بِالْمُقَاصَّةِ، لأَِنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عَيْنٌ وَالَّذِي لَهُ دَيْنٌ، وَالْمُقَاصَّةُ عِنْدَهُمْ إِنَّمَا تَكُونُ بَيْنَ دَيْنَيْنِ
مُتَسَاوِيَيْنِ جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً: فَلَيْسَ لَهَا هُنَا مَوْضِعٌ.
نَعَمْ إِنْ خَشِيَ ضَيَاعَ حَقِّهِ كَانَ لَهُ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، أَخْذُ مَا مَعَهُ عَلَى سَبِيل الظَّفَرِ بِالْحَقِّ.
وَهُنَاكَ مَنْ يَقُول: لَيْسَ لِلْمُحَال حَقُّ الرُّجُوعِ بِدَيْنِهِ، مُؤَاخَذَةً لَهُ بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ، لأَِنَّهُ بِإِقْرَارِهِ بِالْحَوَالَةِ مُقِرٌّ بِبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمُحِيل مِنْ هَذَا الدَّيْنِ.
46 - الاِحْتِمَال الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُحَال قَبَضَ الْمَال، وَلَكِنَّهُ هَلَكَ عِنْدَهُ:
فَلاَ حَقَّ لِلْمُحِيل عَلَى الْمُحَال، وَلاَ لِلْمُحَال عَلَى الْمُحِيل، سَوَاءٌ أَكَانَ التَّلَفُ بِتَفْرِيطٍ مِنْهُ أَمْ بِدُونِ تَفْرِيطٍ.
فَإِنْ كَانَ بِتَفْرِيطٍ، فَلأَِنَّهُ إِمَّا مَالُهُ قَدْ تَلِفَ بِيَدِهِ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي الْوَاقِعِ صَادِقًا فِي زَعْمِهِ الْحَوَالَةَ، وَإِمَّا مَالٌ لَزِمَهُ ضَمَانُهُ، فَيَثْبُتُ عَلَيْهِ مِثْل مَا لَهُ عِنْدَ الْمُحِيل وَيَتَقَاصَّانِ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، فَلأَِنَّ الْمُحِيل مُقِرٌّ بِأَنَّ الْمَال إِنَّمَا تَلِفَ فِي يَدِ أَمِينِهِ، أَيْ وَكِيلِهِ بِمُقْتَضَى دَعْوَاهُ، وَالْفَرْضُ أَنْ لاَ تَعَدِّيَ. وَإِنْ كَانَ الْبَغَوِيُّ مِنْ كِبَارِ الشَّافِعِيَّةِ، يُنَازِعُ فِي هَذَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَخْذَ الْوَكِيل لِنَفْسِهِ يُوجِبُ ضَمَانَهُ وَيَقُول: إِنَّهُ يَضْمَنُ لِثُبُوتِ وَكَالَتِهِ، كَمَا أَنَّهُ، أَيِ الْمُحَال، مُقِرٌّ بِأَنَّهُ قَدِ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَتَلِفَ عِنْدَهُ (1) .
__________
(1) نهاية المحتاج على المنهاج بحواشيه 4 / 417 ومغني المحتاج 2 / 197 والمهذب 1 / 339 والمغني لابن قدامة 5 / 64 و 65 والفروع 2 / 629.
الصفحة 188