كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)

عَلَيْهِ، وَعَلَى كُل حَالٍ يَبْرَأُ الْمُحَال عَلَيْهِ، بِالدَّفْعِ إِلَى الْمُحَال، لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ مُحَالاً، فَذَاكَ حَقُّهُ، وَإِنْ كَانَ وَكِيلاً، فَقَدْ دَفَعَ إِلَيْهِ بِمُقْتَضَى عَقْدِ الْوَكَالَةِ.

51 - تَنْبِيهٌ:
عَدَمُ تَضْمِينِ الْمُحَال فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الأَْخِيرَةِ عِنْدَمَا يَتْلَفُ الْمَال بِيَدِهِ دُونَ تَفْرِيطٍ - وَلَهَا نَظَائِرُ - مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا انْتَفَتِ الْحَوَالَةُ فِي هَذَا التَّنَازُعِ الْمَشْرُوعِ ثَبَتَتِ الْوَكَالَةُ، وَقَدْ عَبَّرَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُهَذَّبِ بِذَلِكَ فِعْلاً: فَهُوَ يَقُول فِي هَذَا الشِّقِّ مِنَ الْقَضِيَّةِ (وَإِنْ قُلْنَا بِقَوْل الْمُزَنِيِّ، وَحَلَفَ الْمُحَال ثَبَتَ أَنَّهُ وَكِيلٌ) ، كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْبَغَوِيُّ فِي خِلاَفِيَّتِهِ الآْنِفَةِ الذِّكْرِ (ر: ف 42) .
وَلَكِنَّ الْجُوَيْنِيَّ يَحْكِي وَجْهًا آخَرَ بِتَضْمِينِ الْمُحَال، وَيُعَلِّلُهُ بِأَنَّ الأَْصْل فِيمَا يَتْلَفُ فِي يَدِ إِنْسَانٍ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ هُوَ الضَّمَانُ، وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ تَصْدِيقِهِ فِي نَفْيِ الْحَوَالَةِ، لِيَبْقَى حَقُّهُ، تَصْدِيقُهُ فِي إِثْبَاتِ الْوَكَالَةِ لِيَسْقُطَ عَنْهُ الضَّمَانُ. كَمَا إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي قِدَمِ الْعَيْبِ وَحُدُوثِهِ، وَصَدَّقْنَا الْبَائِعَ بِيَمِينِهِ فِي مَنْعِ الرَّدِّ بِذَا الْعَيْبِ، ثُمَّ وَقَعَ الْفَسْخُ، بِتَحَالُفٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يُمَكَّنُ مِنَ الْمُطَالَبَةِ بِأَرْشِ ذَلِكَ الْعَيْبِ، ذَهَابًا إِلَى أَنَّهُ حَادِثٌ بِمُقْتَضَى يَمِينِهِ (1) .
وَلَعَل مِثْل هَذَا الْمَلْحَظِ هُوَ الَّذِي حَدَا
__________
(1) المهذب 1 / 339 ونهاية المحتاج 4 / 417 ومغني المحتاج 2 / 197 - 198 والمغني لابن قدامة 5 / 65 و 66.
بِالْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى الْعُدُول عَنْ عِبَارَتَيْ الشِّيرَازِيِّ وَالْبَغَوِيِّ إِلَى مِثْل قَوْلِهِمْ: (وَبِالْحَلِفِ تَنْدَفِعُ الْحَوَالَةُ) ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يُعَوِّلُوا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، بَل وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الإِْشَارَةِ - إِنْ صَحَّ - أَنَّهَا مَقْصُودَةٌ وَمَضَوْا فِي التَّفْرِيعِ عَلَى أَسَاسِ ثُبُوتِ الْوَكَالَةِ.

مَجْلِسُ الْعَقْدِ:
51 م - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ إِلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ تَنْعَقِدُ بِالإِْيجَابِ مِنَ الْمُحِيل، وَالْقَبُول مِنَ الْمُحَال.
وَلاَ يَكُونُ قَبُولاً بِمَعْنَاهُ الْمُتَبَادِرِ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ، بِلاَ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ إِلاَّ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَهُوَ مَجْلِسُ عِلْمِ الْمُحَال بِالإِْيجَابِ غَيْرِ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ بِكِتَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا.
وَيُجْبَرُ الْمُحَال عَلَى الْقَبُول عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِذَا أُحِيل عَلَى مَلِيءٍ. أَمَّا الْمُحَال عَلَيْهِ فَلاَ يُشْتَرَطُ رِضَاهُ، لاَ فِي الْعَقْدِ وَلاَ خَارِجَهُ، لأَِنَّهُ مَدِينٌ لِلْمُحِيل، فَلاَ شَأْنَ لَهُ بِمَنْ هُوَ مُكَلَّفٌ بِالتَّأْدِيَةِ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى مَنْ يَخْتَارُهُ. لَكِنَّ الإِْيجَابَ مِنَ الْمُحِيل كَافٍ وَحْدَهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، فَهُمْ يَكْتَفُونَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ بِإِيجَابِ الْمُحِيل فَقَطْ.
وَيَشْتَرِطُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ حُضُورَ الْمُحَال عَلَيْهِ وَإِقْرَارَهُ، أَوْ حُضُورَهُ وَعِلْمَهُ (1) .
__________
(1) الخرشي على خليل 4 / 232 والمنتقى على الموطأ 5 / 69 ومغني المحتاج 2 / 5 وشرح ابن سودة للتحفة 2 / 33 ومطالب أولي النهى 3 / 327. نص مرشد الحيران في المادة 882 على عدم اشتراط حضور المحال عليه مع اشتراط رضاه. كما قررت المجلة في المادة 682 صحة الحوالة المنعقدة بين المحيل والمحال دون حضور المحال عليه إذا أخبر بها وقبلها.

الصفحة 190