كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)

وَهَذَا النَّصُّ يَنْطَبِقُ عَلَى الْحَوَالَةِ، لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَالتَّقْيِيدِ أَيْضًا، إِذْ كُلٌّ مِنَ الْمُحَال وَالْمُحَال عَلَيْهِ يَلْتَزِمُ بِهَا الْتِزَامَاتٍ جَدِيدَةً.
54 - أَمَّا التَّأْقِيتِ، وَالتَّأْجِيل إِلَى الأَْجَل الْمَجْهُول جَهَالَةً فَاحِشَةً: فَلأَِنَّ التَّأْقِيتَ يُنَافِي طَبِيعَةَ الْحَوَالَةِ - أَعْنِي نَقْل الدَّيْنِ - فَلَوْ قِيل الْحَوَالَةُ قَابِلٌ لِمُدَّةِ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، مَثَلاً، فَلاَ حَوَالَةَ أَصْلاً، وَلأَِنَّ التَّأْجِيل بِالأَْجَل الْمَجْهُول جَهَالَةً فَاحِشَةً يُفْضِي إِلَى النِّزَاعِ الْمُشْكِل، مِثَال ذَلِكَ: أَنْ يَقُول الْمُلْتَزِمُ: قَبِلْتُ حَوَالَةَ الدَّيْنِ الَّذِي لَكَ عَلَى فُلاَنٍ، عَلَى أَنْ أُؤَدِيَهُ إِلَيْكَ عِنْدَ هُطُول الْمَطَرِ، أَوْ عِنْدَ هُبُوبِ الرِّيحِ، وَهَذَا شَرْطٌ لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ لأَِحَدٍ فَيَلْغُو، وَتَكُونُ الْحَوَالَةُ حَالَّةً بِخِلاَفِ التَّأْجِيل بِالأَْجَل الْمَعْلُومِ كَغَايَةِ شَهْرِ كَذَا، أَوِ الْمَجْهُول جَهَالَةً مُحْتَمَلَةً كَمَوْسِمِ حَصَادِ الْقَمْحِ هَذَا الْعَامَ، فَإِنَّهُ تَأْجِيلٌ بِأَجَلٍ مُتَعَارَفٍ، وَلاَ غَرَرَ فِيهِ أَصْلاً، أَوْ لاَ غَرَرَ يُذْكَرُ.
وَصَرَّحَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْحَوَالَةِ بِأَنَّ تَأْجِيل عَقْدِهَا لاَ يَصِحُّ، وَلَكِنَّ تَأْجِيل الدَّيْنِ فِيهَا يَصِحُّ، فَلَوْ قَال لآِخَرَ: ضَمِنْتُ بِمَا لَكَ عَلَى فُلاَنٍ عَلَى أَنْ أُحِيلَكَ بِهِ عَلَى فُلاَنٍ إِلَى شَهْرٍ، انْصَرَفَ التَّأْجِيل إِلَى الدَّيْنِ لأَِنَّ تَأْجِيل عَقْدِهَا لاَ يَصِحُّ (1) .
55 - وَمُقْتَضَى قَوَاعِدِ الْمَالِكِيَّةِ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ أَنْ
__________
(1) ابن عابدين 4 / 266، 295 والبحر 6 / 241.
يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُحِيل عَلَيْهِ دَائِنُهُ، وَهَذَا عَلَى مَا قَرَّرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونِسِيُّ الْمَالِكِيُّ مِنَ الاِكْتِفَاءِ بِأَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ فِي الْحَوَالَةِ مُقَارِنًا لِثُبُوتِهَا وَلاَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ سَابِقًا عَلَيْهَا.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الْعَاقِدُ فِي الْحَوَالَةِ رَهْنًا أَوْ ضَمِينًا فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ، وَقَالُوا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ: أَنَّهُ لاَ يَثْبُتُ فِي عَقْدِهَا لأَِنَّهُ لَمْ يُبْنَ عَلَى الْمُغَابَنَةِ.
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْحَوَالَةَ لاَ يَدْخُلُهَا خِيَارٌ وَتَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَيَرَوْنَ كَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ عَلَى الْمُحْتَال أَنْ يُؤَخِّرَ حَقَّهُ أَوْ يُؤَخِّرَ بَعْضَهُ إِلَى أَجَلٍ وَلَوْ مَعْلُومًا لَمْ تَصِحَّ الْحَوَالَةُ، لأَِنَّ الْحَال لاَ يَتَأَجَّل بِالتَّأْجِيل (1) .

أَطْرَافُ الْحَوَالَةِ:

أَوَّلاً - الْمُحِيل وَشَرَائِطُهُ:
56 - يُشْتَرَطُ فِي الْمُحِيل عِدَّةُ شَرَائِطَ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، وَشَرِيطَةٌ وَاحِدَةٌ لِنَفَاذِهِ (ر: ف 94) .
فَشَرَائِطُ صِحَّةِ الْحَوَالَةِ فِي الْمُحِيل نَوْعَانِ:

النَّوْعُ الأَْوَّل: شَرَائِطُ تَتَعَلَّقُ بِأَهْلِيَّةِ الْمُحِيل:
57 - أ - الْعَقْل: يُشْتَرَطُ فِي الْمُحِيل أَنْ يَكُونَ عَاقِلاً، فَلاَ تَنْعَقِدُ حَوَالَةُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ اللَّذَيْنِ لاَ تَمْيِيزَ لَدَيْهِمَا. إِذِ الْعَقْل مِنْ شَرَائِطِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفَاتِ كُلِّهَا
__________
(1) مغني المحتاج 2 / 195 وكشاف القناع 3 / 383 - 385 وبداية المجتهد 2 / 160.

الصفحة 192