كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)

عَقْدِ الْحَوَالَةِ عِنْدَ أَكْثَرِ مُنْكِرِي الْحَوَالَةِ الْمُطْلَقَةِ - وَإِذَنْ فَلَيْسَ يُشْتَرَطُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الشَّرَائِطِ الَّتِي يَذْكُرُهَا الْحَنَفِيَّةُ سِوَى مُرَاعَاةِ مَصْلَحَةِ الْقَاصِرِ، لأَِنَّهُ عِنْدَهُمْ لَيْسَ إِلاَّ مَحَل اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ كَالدَّارِ يَكُونُ فِيهَا الْمَتَاعُ، أَوِ الْكِيسِ تَكُونُ فِيهِ النُّقُودُ.
وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُحَال عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَكُونَ مُتَمَتِّعًا بِأَهْلِيَّةِ الأَْدَاءِ الْكَامِلَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَتَوَافَرَ فِيهِ الصِّفَتَانِ التَّالِيَتَانِ:

الأُْولَى: الأَْهْلِيَّةُ:
61 - أَنْ يَكُونَ عَاقِلاً، لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمُحَال، فَلاَ تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَى مَجْنُونٍ أَوْ صَبِيٍّ لاَ تَمْيِيزَ لَهُ. كَمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا، فَلاَ يَصِحُّ مِنَ الصَّبِيِّ قَبُولُهَا بِحَالٍ، قِيَاسًا عَلَى الْكَفَالَةِ، وَمَا دَامَ لَيْسَ فِي ذِمَّتِهِ وَلاَ عِنْدَهُ لِلْمُحِيل مَا يَفِي بِالدَّيْنِ الْمُحَال بِهِ، لأَِنَّ قَبُول هَذِهِ الْحَوَالَةِ حِينَئِذٍ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً، إِنْ كَانَتِ الْحَوَالَةُ بِأَمْرِ الْمُحِيل، وَتَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً إِنْ لَمْ تَكُنْ بِأَمْرِهِ، إِذْ لاَ يَمْلِكُ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الأَْخِيرَةِ، سَوَاءٌ بَعْدَ ذَلِكَ أَكَانَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ أَمْ غَيْرَ مَأْذُونٍ، بَل وَسَوَاءٌ قَبُولُهُ بِنَفْسِهِ وَقَبُول وَلِيِّهِ لَهُ، لأَِنَّهُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ، فَلاَ يَمْلِكُهُ الْوَلِيُّ. وَالتَّقْيِيدُ - بِكَوْنِهِ لَيْسَ فِي ذِمَّتِهِ وَلاَ عِنْدَهُ لِلْمُحِيل مَا يَكْفِي - لَيْسَ فِي كَلاَمِ الْحَنَفِيَّةِ. وَلَكِنَّ ابْنَ عَابِدِينَ اسْتَظْهَرَهُ فِي حَاشِيَتِهِ
عَلَى الْبَحْرِ فَإِذَا اخْتَل هَذَا الْقَيْدُ - بِأَنْ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ عِنْدَهُ لِلْمُحِيل مَا يَكْفِي سَدَادَ دَيْنِهِ - فَيَنْبَغِي أَلاَّ يُشْتَرَطَ بُلُوغُهُ لأَِصْل انْعِقَادِ الْحَوَالَةِ، بَل لِنَفَاذِهَا، فَتَنْعَقِدُ مَوْقُوفَةً عَلَى إِجَازَةِ وَلِيِّهِ إِنْ كَانَ دُونَ الْبُلُوغِ.
وَعِنْدَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ شَرِيطَةُ الْبُلُوغِ هَذِهِ شَرِيطَةَ نَفَاذٍ مَطْلُوبَةً فِي الْمُحَال عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ، لأَِنَّ فِيهَا مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ انْتِهَاءً، حَيْثُ يُقْضَى فِيهَا دَيْنٌ بِدَيْنٍ بِطَرِيقِ التَّقَاصِّ، فَتَحْتَاجُ إِلَى إِذْنِ الْوَلِيِّ أَوْ إِجَازَتِهِ.
أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْحَوَالَةُ مُطْلَقَةً فَإِنَّ بُلُوغَ الْمُحَال عَلَيْهِ عِنْدَئِذٍ شَرِيطَةُ انْعِقَادٍ لاَ بُدَّ مِنْهَا، لأَِنَّهَا كَمَا قَال صَاحِبُ الْبَحْرِ هُنَا: إِنْ كَانَتْ بِأَمْرِ الْمُحِيل كَانَتْ تَبَرُّعًا ابْتِدَاءً، مُعَاوَضَةً انْتِهَاءً، وَإِنْ كَانَتْ بِدُونِ أَمْرِهِ كَانَتْ تَبَرُّعًا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً فَهِيَ مِنَ الْمَضَارِّ الَّتِي لاَ يَمْلِكُهَا عَلَى الصَّغِيرِ وَلِيُّهُ كَسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ، فَلاَ تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الْبَالِغِ وَلَوْ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ أَوْ إِجَازَتِهِ.
وَكَوْنُ الْمُحَال عَلَيْهِ مَدِينًا لِلْمُحِيل أَوْ عِنْدَهُ مَالٌ لَهُ لاَ يَمْنَعُ إِطْلاَقَ الْحَوَالَةِ دُونَ ارْتِبَاطِهَا بِالدَّيْنِ أَوِ الْمَال الَّذِي لِلْمُحِيل عِنْدَهُ، إِلاَّ أَنْ يُقَال: إِنَّهَا عِنْدَئِذٍ تُعْقَدُ مُقَيَّدَةً حُكْمًا بِهَذَا الْمَال أَوِ الدَّيْنِ وَلَوْ صَدَرَتْ بِصِيغَةٍ مُطْلَقَةٍ، وَتَكُونُ مَوْقُوفَةً

الصفحة 194