كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)
وَهُوَ جِهَةُ التَّعَبُّدِ، فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَعِبَادَتُهُ امْتِثَال أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ بِإِطْلاَقٍ.
فَإِنْ جَاءَ مَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ حَقٌّ مُجَرَّدٌ لِلْعَبْدِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بِإِطْلاَقٍ، بَل جَاءَ عَلَى تَغْلِيبِ حَقِّ الْعَبْدِ فِي الأَْحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ.
كَمَا أَنَّ كُل حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فِيهِ حَقٌّ لِلْعِبَادِ إِمَّا عَاجِلاً وَإِمَّا آجِلاً، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّرِيعَةَ إِنَّمَا وُضِعَتْ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ، وَلِذَلِكَ قَال فِي الْحَدِيثِ: حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا عَبَدُوهُ وَلَمْ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ. (1)
وَعَادَتُهُمْ فِي تَفْسِيرِ حَقِّ اللَّهِ أَنَّهُ مَا فَهِمَ مِنَ الشَّرْعِ أَنَّهُ لاَ خِيرَةَ فِيهِ لِلْمُكَلَّفِ، كَانَ لَهُ مَعْنًى مَعْقُولٌ أَوْ غَيْرُ مَعْقُولٍ.
وَحَقُّ الْعَبْدِ: مَا كَانَ رَاجِعًا إِلَى مَصَالِحِهِ فِي الدُّنْيَا. فَإِنْ كَانَ مِنَ الْمَصَالِحِ الأُْخْرَوِيَّةِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ.
وَمَعْنَى التَّعَبُّدِ عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ مَا لاَ يُعْقَل مَعْنَاهُ عَلَى الْخُصُوصِ.
وَأَصْل الْعِبَادَاتِ رَاجِعَةٌ إِلَى حَقِّ اللَّهِ، وَأَصْل الْعَادَاتِ رَاجِعَةٌ إِلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ. (2)
وَقَال الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: حُقُوقُ اللَّهِ ثَلاَثَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا مَا هُوَ خَالِصٌ لِلَّهِ كَالْمَعَارِفِ
__________
(1) حديث " حق العباد على الله. . . " تقدم تخريجه ف / 3.
(2) لموافقات للشاطبي 2 2 / 317، 318 المكتبة التجارية بمصر، الناشر دار المعرفة بيروت.
وَالأَْحْوَال الْمَبْنِيَّةِ عَلَيْهَا، وَالإِْيمَانِ بِمَا يَجِبُ الإِْيمَانُ بِهِ، كَالإِْيمَانِ بِإِرْسَال الرُّسُل وَإِنْزَال الْكُتُبِ وَبِمَا تَضَمَّنَتْهُ الشَّرَائِعُ مِنَ الأَْحْكَامِ، وَبِالْحَشْرِ وَالنَّشْرِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.
الثَّانِي: مَا يَتَرَكَّبُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ كَالزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالأَْمْوَال الْمَنْدُوبَاتِ وَالضَّحَايَا وَالْهَدَايَا وَالْوَصَايَا وَالأَْوْقَافِ، فَهَذِهِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ مِنْ وَجْهٍ، وَنَفْعٌ لِعِبَادِهِ مِنْ وَجْهٍ، وَالْغَرَضُ الأَْظْهَرُ مِنْهَا نَفْعُ عِبَادِهِ وَإِصْلاَحُهُمْ بِمَا وَجَبَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ نُدِبَ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ قُرْبَةٌ لِبَاذِلِيهِ وَرِفْقٌ لآِخِذِيهِ.
الثَّالِثُ: مَا يَتَرَكَّبُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُقُوقِ الْمُكَلَّفِ وَالْعِبَادِ أَوْ يَشْتَمِل عَلَى الْحُقُوقِ الثَّلاَثَةِ.
وَلِذَلِكَ أَمْثِلَةٌ: أَحَدُهَا الأَْذَانُ، فِيهِ الْحُقُوقُ الثَّلاَثَةُ، أَمَّا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَالتَّكْبِيرَاتُ وَالشَّهَادَةُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَأَمَّا حَقُّ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالشَّهَادَةُ لَهُ بِالرِّسَالَةِ، وَأَمَّا حَقُّ الْعِبَادِ فَبِالإِْرْشَادِ إِلَى تَعْرِيفِ دُخُول الأَْوْقَاتِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَالْمُنْفَرِدِينَ، وَالدُّعَاءِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي. (1)
تَقْدِيمُ الْحُقُوقِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ عِنْدَ تَيَسُّرِهِ وَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ:
19 - قَال الإِْمَامُ الزَّرْكَشِيُّ: حُقُوقُ اللَّهِ إِذَا اجْتَمَعَتْ فَهِيَ عَلَى أَقْسَامٍ:
__________
(1) قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 129.
الصفحة 20