كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)

وَبِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ. لَكِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِهَا اسْتِحْسَانًا. وَمِنْ قَوَاعِدِهِمْ أَنَّ كُل دَيْنٍ تَصِحُّ كَفَالَتُهُ تَصِحُّ حَوَالَتُهُ، مَا لَمْ يَكُنْ مَجْهُولاً. وَإِذَنْ فَتَصِحُّ حَوَالَةُ دَيْنِ النَّفَقَةِ هَذَا، بَل تَصِحُّ بِالنَّفَقَةِ غَيْرِ الْمَفْرُوضَةِ - رَغْمَ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ شَهْرٍ - إِذَا تَمَّتِ الْحَوَالَةُ قَبْل سُقُوطِهَا، وَإِلاَّ فَلاَ تَصِحُّ، لأَِنَّهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا فِي الْكَفَالَةِ بِهَا، وَأَوَّلُوا بِهِ قَوْل مَنْ نَفَى صِحَّةَ الْكَفَالَةِ بِهَا، مُعَلِّلاً بِأَنَّهَا لَيْسَتْ دَيْنًا أَصْلاً.
أَمَّا مَهْرُ الزَّوْجَةِ فَدَيْنٌ قَوِيٌّ صَحِيحٌ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لاَ يَنْقَطِعُ اسْتِمْرَارُ وُجُوبِهِ إِلاَّ بِالأَْدَاءِ أَوِ الإِْبْرَاءِ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ مَا يُبْطِل حُكْمَ الْعَقْدِ نَفْسِهِ، كَالطَّلاَقِ الْمُنَصِّفِ لِلْمَهْرِ قَبْل الدُّخُول فَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِالْمَهْرِ بِلاَ نِزَاعٍ (1) .
وَأَمَّا دَيْنُ الزَّكَاةِ فَلَيْسَ دَيْنًا حَقِيقَةً بِالْمَعْنَى الْخَاصِّ مِنْ كُل وَجْهٍ - وَلِذَا لاَ يُسْتَوْفَى مِنْ تَرِكَةِ الْمُتَوَفَّى - فَلاَ تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهِ. وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، أَمَّا غَيْرُهُمْ فَلاَ يَشْتَرِطُونَ اللُّزُومَ بِإِطْلاَقِ الْفُقَهَاءِ عَدَا الْمَالِكِيَّةَ، وَبَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ، وَبَعْضَ الْحَنَابِلَةِ.
وَمِمَّا فَرَّعَهُ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى اشْتِرَاطِ اللُّزُومِ أَنَّ الْحَوَالَةَ لاَ تَصِحُّ بِالدَّيْنِ الَّذِي يَسْتَدِينُهُ صَبِيٌّ أَوْ
__________
(1) مجمع الأنهر 2 / 123 وابن عابدين على الدر المختار 4 / 251، 263 والمجلة م 688.
سَفِيهٌ وَيَصْرِفُهُ فِيمَا لَهُ عَنْهُ غِنًى، لأَِنَّ الْوَلِيَّ لاَ يُقِرُّهُ.
وَالَّذِي اعْتَمَدَهُ الشَّافِعِيَّةُ، أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ لاَزِمًا، أَوْ آيِلاً إِلَى اللُّزُومِ بِنَفْسِهِ: فَاللاَّزِمُ هُوَ الَّذِي لاَ خِيَارَ فِيهِ، وَالآْيِل إِلَى اللُّزُومِ كَالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، لأَِنَّ الأَْصْل فِي الْبَيْعِ لُزُومُ الثَّمَنِ، وَأَنَّ الْخِيَارَ عَارِضٌ فِي طَرِيقِ اللُّزُومِ، وَبِزَوَال الْعَارِضِ يَعُودُ الأَْصْل تِلْقَائِيًّا. ثُمَّ بِمُجَرَّدِ الْحَوَالَةِ بِالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ يَبْطُل خِيَارُ الطَّرَفَيْنِ، لأَِنَّ تَرَاضِيَهُمَا بِالْحَوَالَةِ إِجَازَةٌ لِلْعَقْدِ الَّذِي بُنِيَتْ عَلَيْهِ، وَلأَِنَّ بَقَاءَ الْخِيَارِ فِي الثَّمَنِ يُنَافِي اللُّزُومَ الَّذِي فِي طَبِيعَةِ عَقْدِ الْحَوَالَةِ (1) .
وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ الْجُعْل الْمَشْرُوطَ لِلْعَامِل فِي الْجَعَالَةِ، لاَ تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَبْل تَمَامِ الْعَمَل، لأَِنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ بَعْدُ، وَقَدْ لاَ يَلْزَمُ قَطُّ، ثُمَّ هُوَ إِذَا لَزِمَ فَلَيْسَ لُزُومُهُ بِنَفْسِهِ، بَل بِوَاسِطَةِ الْعَمَل.
أَمَّا الْكَثْرَةُ الْغَالِبَةُ مِنَ الْحَنَابِلَةِ فَقَدْ جَرَوْا عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ هَذِهِ الشَّرِيطَةِ أَصْلاً. وَلِذَا فَهُمْ مُصَرِّحُونَ بِصِحَّةِ الْحَوَالَةِ بِمَال الْكِتَابَةِ، وَبِجُعْل الْعَامِل فِي الْجَعَالَةِ حَتَّى قَبْل الشُّرُوعِ فِي الْعَمَل.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُضِيفُ إِيضَاحًا لِوِجْهَةِ نَظَرِهِمْ أَنَّ
__________
(1) أبو السعود على ملا مسكين 3 / 7، وقد يمكن اعتباره دينا ضعيفا للسبب عينه. والخرشي على خليل 4 / 233 ومغني المحتاج على المنهاج 2 / 194 والإنصاف 5 / 225.

الصفحة 200