كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)

مِلْكِ الْمُوَكِّل مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِ، فَلاَ يَنْفُذُ عَلَيْهِ كَتَصَرُّفِ الأَْجْنَبِيِّ.
وَاسْتَدَل لأَِبِي حَنِيفَةَ: بِأَنَّ الْوَكِيل بِقَبُولِهِ الْحَوَالَةَ إِنَّمَا تَصَرَّفَ بِالإِْبْرَاءِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ (وَهُوَ قَبْضُ الثَّمَنِ) بِمُقْتَضَى عَقْدِ الْوَكَالَةِ لأَِنَّ قَبْضَ الثَّمَنِ مِنْ حُقُوقِ الْعَبْدِ الَّتِي تَعُودُ لِلْوَكِيل بِالْبَيْعِ، فَإِبْرَاؤُهُ الْمُشْتَرِيَ عَنِ الثَّمَنِ أَوْ قَبُولُهُ الْحَوَالَةَ بِهِ إِسْقَاطٌ لِحَقِّ نَفْسِهِ وَهُوَ الْقَبْضُ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ، لأَِنَّ الْحَوَالَةَ كَالإِْبْرَاءِ تَمْنَعُ مُطَالَبَةَ الْمُحِيل، وَيَسْقُطُ بِذَلِكَ الثَّمَنُ مِنْ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي تَبَعًا لِسُقُوطِ حَقِّ الْقَبْضِ، وَلَكِنْ لاَ يَسْقُطُ حَقُّ الْمُوَكِّل فِي الثَّمَنِ الَّذِي هُوَ عِوَضُ مِلْكِهِ. وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الثَّمَنُ مِنْ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي تَبَعًا، لأَِنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ مَعَ سُقُوطِ حَقِّ الْوَكِيل فِي قَبْضِهِ لَبَقِيَ دَيْنًا غَيْرَ قَابِلٍ لِلْقَبْضِ، وَهَذَا لاَ نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ، كَمَا أَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ. فَلِذَا يَسْقُطُ الثَّمَنُ مِنْ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي تَبَعًا لِسُقُوطِ حَقِّ الْوَكِيل فِي قَبْضِهِ، وَلَكِنْ يَضْمَنُهُ الْوَكِيل لِلْبَائِعِ الْمُوَكِّل، لأَِنَّ الْوَكِيل بِتَصَرُّفِهِ هَذَا قَدْ تَجَاوَزَ إِلَى حَقِّ غَيْرِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ نَفْسُهُ حَيْثُ أَتْلَفَهُ عَلَى صَاحِبِهِ بِالإِْبْرَاءِ أَوْ قَبُول الْحَوَالَةِ بِهِ.
وَقَدْ لَخَصَّهُ فِي مَجْمَعِ الأَْنْهُرِ بِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ لِلْعَاقِدِ، وَالْحَوَالَةُ مِنْ هَذِهِ الْحُقُوقِ. وَاحْتِيَال الْوَكِيل فِي الْبَيْعِ، بِثَمَنِ الْمَبِيعِ بِالصُّورَةِ الْمَشْرُوحَةِ لَمْ نَجِدْ حُكْمَهُ مَنْصُوصًا عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ.
أَمَّا النَّائِبُ الشَّرْعِيُّ عَنِ الصَّغِيرِ، وَلِيًّا كَانَ كَالأَْبِ أَوْ وَصِيًّا، فَلاَ يَمْلِكُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ حَقَّ
الاِحْتِيَال بِمَال هَذَا الصَّغِيرِ عَلَى مَا قَرَّرَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ بِإِطْلاَقِهِ، عَلَى خِلاَفِ عَامَّةِ الْكُتُبِ. وَنَصُّ عِبَارَتِهِ: لَوِ احْتَال بِمَال ابْنِهِ الصَّغِيرِ، أَوِ الْيَتِيمِ الَّذِي تَحْتَ وِصَايَتِهِ، لَمْ يَجُزْ، لأَِنَّ الْحَوَالَةَ إِبْرَاءُ الأَْصِيل، وَهُوَ لاَ يَمْلِكُهُ فِي مَال الْقَاصِرِينَ. (1)
96 - وَأَمَّا احْتِيَال وَلِيِّ الْقَاصِرِ، كَأَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ بِدَيْنِهِ، فَلَمْ نَرَ فِي الْمَذَاهِبِ الأُْخْرَى إِطْلاَقَ عَدَمِ جَوَازِهِ، كَمَا فَعَل السَّرَخْسِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.
بَل فِي كَلاَمِ بَعْضِهِمْ - كَمَا هُوَ مُقْتَضَى إِطْلاَقِ حَدِيثِ الْحَوَالَةِ - التَّصْرِيحُ بِصِحَّتِهَا بِشَرِيطَةٍ وَاحِدَةٍ: أَنْ تَقْتَضِيَهَا مَصْلَحَةُ الْقَاصِرِ نَفْسِهِ - أَخْذًا مِنْ نَصِّ التَّنْزِيل الْحَكِيمِ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُل إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} (2) - دُونَ تَقَيُّدٍ بِأَيِّ قَيْدٍ آخَرَ. وَلِذَا أَبْطَلُوا احْتِيَالَهُ عَلَى مُفْلِسٍ سَوَاءٌ أَعُلِمَ إِفْلاَسُهُ أَمْ جُهِل، وَكَذَا احْتِيَالُهُ بِدَيْنٍ مُوَثَّقٍ عَلَيْهِ بِرَهْنٍ أَوْ ضَمَانٍ، لِمَا فِي انْفِكَاكِ الْوَثِيقَةِ مِنَ الضَّرَرِ الْبَيِّنِ بِالْقَاصِرِ.
وَقَدْ سُئِل السُّيُوطِيُّ عَنْ رَجُلٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ، فَمَاتَ الدَّائِنُ وَلَهُ وَرَثَةٌ فَأَخَذَ الأَْوْصِيَاءُ مِنَ الْمَدِينِ بَعْضَ الدَّيْنِ، وَأَحَالَهُمْ عَلَى آخَرَ بِالْبَاقِي فَقَبِلُوا الْحَوَالَةَ وَضَمِنَهَا لَهُمْ آخَرُ، فَمَاتَ الْمُحَال عَلَيْهِ، فَهَل لَهُمُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيل أَمْ لاَ
__________
(1) البدائع 6 / 28 موضحا. ومجمع الأنهر 2 / 277، والمبسوط 20 / 71 وجامع الفصولين 2 / 18 وحواشي ابن عابدين على البحر شرح الكنز 6 / 268، 275.
(2) سورة البقرة / 220.

الصفحة 213