كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)
بَرَاءَةُ الْمُحِيل مِنْ دَيْنِ الْمُحَال ثُمَّ مِنْ مُطَالَبَتِهِ:
107 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ مَتَى صَحَّتِ الْحَوَالَةُ فَقَدْ فَرَغَتْ ذِمَّةُ الْمُحِيل مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ لِدَائِنِهِ الَّذِي قَبِل الاِحْتِيَال بِهِ، وَبِالتَّالِي لاَ يَكُونُ لِهَذَا الدَّائِنِ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ.
لَكِنِ الْحَنَفِيَّةُ قَيَّدُوا بَرَاءَةَ ذِمَّةِ الْمُحِيل وَسُقُوطَ حَقِّ الْمُطَالِبِ بِعَدَمِ التَّوْيِ - عَلَى اخْتِلاَفٍ فِي تَفْسِيرِ الْتَوَى - إِلاَّ فِي حَالاَتٍ اسْتَثْنَوْهَا وَنَصُّوا عَلَيْهَا. (1)
كَوْنُ الْحَوَالَةِ تَنْقُل الدَّيْنَ وَالْمُطَالَبَةَ:
108 - وَيَتَرَتَّبُ عَلَى كَوْنِ الْحَوَالَةِ تَنْقُل الدَّيْنَ وَالْمُطَالَبَةَ مَعًا النَّتَائِجُ التَّالِيَةُ:
(أ) مَتَى بَرِئَ الْمُحِيل وَكَانَ لَهُ كَفِيلٌ، بَرِئَ كَفِيلُهُ تَبَعًا، إِذْ لاَ مَعْنَى لِمُطَالَبَتِهِ بِدَيْنٍ لاَ وُجُودَ لَهُ.
(ب) لَوْ أَحَال الْكَفِيل الْمَكْفُول لَهُ عَلَى غَيْرِ الْمَدِينِ الْمَكْفُول (الأَْصْل) بَرِئَ الْكَفِيل الْمُحِيل وَالْمَدِينُ الأَْصِيل مَعًا، لأَِنَّ الْحَوَالَةَ بِإِطْلاَقِهَا تَنْصَرِفُ إِلَى الدَّيْنِ، وَهُوَ عَلَى الأَْصْل، فَيَبْرَأُ الأَْصِيل أَوَّلاً، ثُمَّ الْكَفِيل الْمُحِيل تَبَعًا، هَذَا مَا لَمْ يَنُصَّ فِي الْحَوَالَةِ عَلَى بَرَاءَةِ الْكَفِيل الْمُحِيل وَحْدَهُ
__________
(1) البحر 6 / 271، وأبو السعود على ملا مسكين 3 / 21، وابن عابدين 4 / 250، وفتح القدير 5 / 445، والبدائع 6 / 17 - 18.
فَحَسْبُ، وَإِلاَّ بَرِئَ هُوَ وَحْدَهُ، قِيَاسًا عَلَى صُلْحِ الْكَفِيل مَعَ الطَّالِبِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، ثُمَّ إِذَا تَوِيَ الْمَال عَادَ الدَّائِنُ الْمُحَال عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَفْقًا لِلْحُكْمِ الْعَامِّ فِي الْحَوَالَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَبَرَاءَةُ الْمَكْفُول وَالْكَفِيل مَعًا أَصَالَةً وَتَبَعًا إِذَا أَحَال أَحَدُهُمَا الدَّائِنَ لاَ يُنَازِعُ فِيهَا الشَّافِعِيَّةُ وَلاَ الْحَنَابِلَةُ. (1)
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَيُوَافِقُونَ عَلَى بَرَاءَتِهِمَا بِإِحَالَةِ الأَْصِيل، لأَِنَّ الْكَفِيل تَبَعٌ لَهُ، لَكِنَّهُمْ يُنَازِعُونَ فِي الْعَكْسِ: إِذْ لاَ يَبْرَأُ الأَْصِيل عِنْدَهُمْ بِحَالَةِ الْكَفِيل، وَإِنَّمَا يَبْرَأُ الْكَفِيل وَحْدَهُ لأَِنَّ الأَْصْل لاَ يَتْبَعُ الْفَرْعَ. (2)
وَمِمَّا يَتَّصِل بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا يَقُولُهُ الْحَنَفِيَّةُ:
ج - (إِنَّ الْكَفَالَةَ مَتَى انْعَقَدَتْ بِأَمْرِ الْمَكْفُول عَنْهُ فَإِنَّهَا تُوجِبُ دَيْنَيْنِ: دَيْنًا لِلطَّالِبِ عَلَى الْكَفِيل، وَدَيْنًا لِلْكَفِيل عَلَى الْمَكْفُول عَنْهُ، إِلاَّ أَنَّ هَذَا الأَْخِيرَ مُؤَجَّلٌ إِلَى وَقْتِ الأَْدَاءِ) وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ يَتَسَنَّى لِلْكَفِيل أَنْ يُحِيل الْمَكْفُول لَهُ عَلَى الأَْصِيل
__________
(1) البحر وحواشيه 6 / 269، و 271، والمهذب 1 / 342، ونهاية المحتاج 4 / 444، والمغني لابن قدامة 5 / 83، والفروع 2 / 623، ومطالب أولي النهى 3 / 296 و 298.
(2) الخرشي على خليل 4 / 243 وهو كلام حسن الجرس، ولكن أي طائل تحته؟ ماداموا هم أنفسهم معترفين بأن الحوالة كالقبض، كما وقع في كلامهم غير مرة، ومن ذلك قول الخرشي نفسه: (بمجرد الحوالة يتحول حق المحتال على المحال عليه، وتبرأ ذمة المحيل لأن الحوالة كالقبض)
الصفحة 220