كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)
الْمُحَال عَلَيْهِ مِنَ الْحَوَالَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ (1) وَغَيْرُهُ. وَعِنْدَئِذٍ يَسْقُطُ حَقُّ الْمُحَال فِي دَيْنِ الْحَوَالَةِ سُقُوطًا نِهَائِيًّا، وَلَوْ كَانَتِ الْحَوَالَةُ عَلَى كَفِيل الْمَدِينِ وَمُقَيَّدَةً بِدَيْنِ الْكَفَالَةِ.
ذَلِكَ لأَِنَّ حَقَّ الْمُحَال قَدْ تَحَوَّل عَنِ الْمُحِيل بِمُقْتَضَى الْحَوَالَةِ نَفْسِهَا حَيْثُ يَبْرَأُ بِهَا الْمُحِيل وَيَحِل مَحَلَّهُ الْمُحَال عَلَيْهِ فِي الْتِزَامِ الأَْدَاءِ.
فَإِذَا أُبْرِئَ الْمُحَال عَلَيْهِ لَمْ يَبْقَ لِلْمُحَال حَقٌّ تُجَاهَ أَحَدٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُحَال عَلَيْهِ مَدِينًا أَصْلِيًّا لِلْمُحِيل أَمْ كَفِيلاً أَمْ غَيْرَ مَدِينٍ أَصْلاً، بِأَنْ كَانَتِ الْحَوَالَةُ مُطْلَقَةً عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
137 - (ج) وَقَدْ يَقَعُ هَذَا الإِْبْرَاءُ - إِبْرَاءُ الإِْسْقَاطِ - مِنَ الْمُحَال لِلْمُحَال عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَدَّى هَذَا إِلَيْهِ دَيْنَ الْحَوَالَةِ، وَيَكُونُ هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِبْرَاءً صَحِيحًا، بِنَاءً عَلَى نَظَرِيَّتِهِمْ فِي أَنَّ إِيفَاءَ الدُّيُونِ لاَ يُسْقِطُهَا مِنَ الذِّمَمِ، وَإِنَّمَا يُؤَدِّي إِلَى الْمُقَاصَّةِ وَامْتِنَاعِ الْمُطَالَبَةِ: فَإِنَّ الدَّيْنَ قَبْل الْوَفَاءِ يَكُونُ قَائِمًا بِذِمَّةِ الْمَدِينِ، وَبِالأَْدَاءِ يَقُومُ دَيْنُ نَظِيرِهِ فِي ذِمَّةِ الدَّائِنِ الْمُسْتَوْفِي، أَيْ يُصْبِحَ الْمَدِينُ دَائِنًا أَيْضًا لِدَائِنِهِ فَيَصِيرُ كُلٌّ مِنْهُمَا دَائِنًا وَمَدِينًا لِلآْخَرِ، فَتَمْتَنِعُ الْمُطَالَبَةُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ لِعَدَمِ فَائِدَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ الْمُقَاصَّةُ. (2)
__________
(1) البدائع 6 / 19.
(2) وهذا معنى المبدأ الفقهي المقرر عند الحنفية: إن الديون إنما تقضى بأمثالها، أما الأعيان فتستوفى بذواتها كما قرره في رد المحتار في أواخر التصرف في المبيع والثمن وفي أوائل باب الوكالة بالخصومة والقبض) .
فَالإِْبْرَاءُ بَعْدَ الأَْدَاءِ الأَْصْل فِيهِ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاءَ اسْتِيفَاءٍ، لَكِنْ إِذَا صَرَّحَ الْمُبَرِّئُ أَوْ دَلَّتِ الْقَرَائِنُ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الإِْسْقَاطُ فَإِنَّهُ يُصَادِفُ دَيْنًا قَائِمًا فَيُسْقِطُهُ، وَلَكِنْ هَذَا لاَ يُؤَثِّرُ فِي الْحَوَالَةِ الَّتِي تَنْتَهِي بِمُجَرَّدِ الأَْدَاءِ، وَإِنَّمَا يَقْتَصِرُ أَثَرُهُ عَلَى أَنْ يُصْبِحَ لِلَّذِي أُبْرِئَ - أَيِ الْمُحَال عَلَيْهِ - حَقُّ مُطَالَبَةِ الْمُحَال الَّذِي أَبْرَأهُ بِمَا كَانَ قَدْ أَدَّاهُ إِلَيْهِ، لأَِنَّهُ بَعْدَ الإِْبْرَاءِ أَصْبَحَ الْمَقْبُوضُ بِلاَ مُقَابِلٍ، فَتُنْتَقَضُ الْمُقَاصَّةُ السَّابِقَةُ التَّقْدِيرِ.
هَذَا، وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْل الْعِلْمِ وَالاِجْتِهَادِ يَقُول بِمَا يَقُول بِهِ الْحَنَفِيَّةُ فِي هَذَا الشَّأْنِ، أَيْ بِصِحَّةِ الإِْبْرَاءِ بَعْدَ الْوَفَاءِ، بِنَاءً عَلَى نَظَرِيَّتِهِمُ الآْنِفَةِ الذِّكْرِ.
الثَّانِيَةُ - الاِنْتِهَاءُ غَيْرُ الرِّضَائِيِّ:
وَذَلِكَ فِي أَرْبَعِ حَالاَتٍ:
1 - الاِنْتِهَاءُ بِمَوْتِ الْمُحِيل:
138 - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَدَمَ انْفِسَاخِ الْحَوَالَةِ بِمَوْتِ الْمُحِيل، لأَِنَّ الْمَال قَدْ تَحَوَّل مِنْ مِلْكِ الْمُحِيل إِلَى مِلْكِ الْمُحَال (ر: ف 127) وَمَا تَأْثِيرُ مَوْتِ الْمُحِيل فِي الْحَوَالَةِ بَعْدَ صِحَّتِهَا وَلُزُومِهَا إِلاَّ كَتَأْثِيرِ مَوْتِ بَائِعِ السِّلْعَةِ بَعْدَ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَلُزُومِهِ، بَل بَعْدَ إِقْبَاضِهِ إِيَّاهَا فَضْلاً عَنِ الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ، لأَِنَّ الْحَوَالَةَ عِنْدَهُمْ بِمَثَابَةِ الإِْقْبَاضِ وَالتَّسْلِيمِ. نَعَمْ تَتَأَثَّرُ الْحَوَالَةُ بِمَوْتِ
الصفحة 232