كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)
الْمُحَال عَلَيْهِ، إِذْ يَحِل بِهِ دَيْنُهَا الْمُؤَجَّل، وَفِي ذَلِكَ يَقُول صَاحِبُ نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: (لَوْ أَحَال بِمُؤَجَّلٍ عَلَى مِثْلِهِ حَلَّتِ الْحَوَالَةُ بِمَوْتِ الْمُحَال عَلَيْهِ، وَلاَ تَحِل بِمَوْتِ الْمُحِيل، لِبَرَاءَتِهِ بِالْحَوَالَةِ) .
وَيُؤْخَذُ مِثْلُهُ مِنْ نَصِّ الْمَالِكِيَّةِ فِي الضَّمَانِ، وَفِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ لِلْحَنَابِلَةِ: (فَإِنْ مَاتَ الْمُحِيل أَوِ الْمُحَال فَالأَْجَل بَاقٍ بِحَالِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُحَال عَلَيْهِ انْبَنَى عَلَى (قَاعِدَةِ) حُلُول الدَّيْنِ بِالْمَوْتِ - أَيْ بِمَوْتِ الْمَدِينِ) -
وَفِيهِ رِوَايَتَانِ (وَلاَ يُعْلَمُ فِي حُلُول الدَّيْنِ بِمَوْتِ الْمَدِينِ خِلاَفٌ لأَِحَدٍ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ الْمُدَوَّنَةِ سِوَى أَحْمَدَ فِي إِحْدَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ) . (1)
وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّ مَا قَبَضَهُ الْمُحَال مِنَ الْمُحَال عَلَيْهِ - قَبْل مَوْتِ الْمُحِيل أَوْ بَعْدَهُ، فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ - كُل ذَلِكَ هُوَ لَهُ خَاصَّةً لاَ يَشْرَكُهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ غُرَمَاءِ الْمُحِيل، كَمَا لاَ يَشْرَكُونَهُ فِي سِلْعَةٍ كَانَ اشْتَرَاهَا فِي حَال الصِّحَّةِ.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ إِذَا مَاتَ الْمُحِيل حَوَالَةً مُطْلَقَةً لاَ تَنْفَسِخُ هَذِهِ الْحَوَالَةُ.
ثُمَّ إِنْ كَانَ لَهُ عَلَى الْمُحَال عَلَيْهِ مَالٌ (بِالْمَعْنَى الشَّامِل لِلدَّيْنِ تَوَسُّعًا، فَإِنَّهُ مَالٌ حُكْمِيٌّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ) فَلاَ شَأْنَ لِلْمُحَال بِهَذَا الْمَال وَلاَ تَعَلُّقَ
__________
(1) الخرشي على خليل 4 / 243، والشرح الكبير 5 / 59، والنهاية على شرح المنهاج 4 / 412.
لأَِنَّ حَقَّهُ فِي ذِمَّةِ الْمُحَال عَلَيْهِ، وَهَذَا الْمَال تَرِكَةٌ لِلْمُحِيل، فَيَئُول إِلَى وَرَثَتِهِ، بَعْدَ أَنْ تُقْضَى مِنْهُ الْحُقُوقُ الْمُقَدَّمَةُ، كَالدُّيُونِ الأُْخْرَى غَيْرِ دَيْنِ الْمُحَال، لأَِنَّهُ لاَ يَعُودُ عَلَى الْمُحِيل مَا دَامَتِ الْحَوَالَةُ قَائِمَةً، وَمَوْتُ الْمُحِيل لاَ يُبْطِل الْحَوَالَةَ الْمُطْلَقَةَ. (1)
139 - وَأَمَّا فِي الْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ، فَقَدْ يَمُوتُ الْمُحِيل قَبْل اسْتِيفَاءِ دَيْنِهَا، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَنْفَسِخُ الْحَوَالَةُ، لأَِنَّ الْمَال الَّذِي قُيِّدَتْ بِهِ قَدِ اسْتُحِقَّ مِنَ الْمُحَال عَلَيْهِ، وَدَخَل فِي تَرِكَةِ الْمُحِيل، وَعَلَى هَذِهِ التَّرِكَةِ يَعُودُ الْمُحَال بِدَيْنِهِ، وَيَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ، هَكَذَا عَلَّل صَاحِبُ - الْبَدَائِعِ - ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَوَالَةِ وَالرَّهْنِ، بِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ اخْتَصَّ بِغُرْمِ الرَّهْنِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ، لأَِنَّهُ إِذَا هَلَكَ سَقَطَ دَيْنُهُ خَاصَّةً، وَلَمَّا اخْتَصَّ بِغُرْمِهِ اخْتَصَّ بِغُنْمِهِ، لأَِنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ. وَأَمَّا الْمُحَال فِي الْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِغُرْمِ ذَلِكَ الْمَال، لأَِنَّهُ لَوْ تَوِيَ لاَ يَسْقُطُ دَيْنُهُ عَنِ الْمُحِيل.
فَلَمَّا لَمْ يَخْتَصَّ بِغُرْمِهِ لَمْ يَخْتَصَّ بِغُنْمِهِ، وَيَكُونُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ. (2)
140 - وَمِنْ نَتَائِجِ الْقَوْل بِالاِنْفِسَاخِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:
(أ) إِنَّ الْمُحَال إِذَا رَجَعَ إِلَى تَرِكَةِ الْمُحِيل وَعَرَفَ نَصِيبَهُ فِي الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ نَصِيبَهُ هَذَا مِنَ الْمُحَال عَلَيْهِ بَدَلاً مِنَ التَّرِكَةِ
__________
(1) البدائع 6 / 17، وحواشي البحر 6 / 274.
(2) البدائع 6 / 17.
الصفحة 233