كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)
الْمُحَال عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ عَيْنٌ هِيَ أَمَانَةٌ أَوْ مَضْمُونَةٌ، فَاسْتُحِقَّتْ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الدَّيْنَ لَمْ يَجِبْ أَصْلاً فِي حَقِيقَةِ الأَْمْرِ، كَمَا لَوْ كَانَ ثَمَنُ مَبِيعٍ فَاسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ، فَإِنَّ الْحَوَالَةَ تَبْقَى كَمَا هِيَ صَحِيحَةً نَافِذَةً، لاَ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا بُطْلاَنٌ أَوِ انْفِسَاخٌ، لأَِنَّ دَيْنَ الْحَوَالَةِ الْمُطْلَقَةِ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْمُحَال عَلَيْهِ - كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ - وَفِي الذِّمَّةِ سَعَةٌ، فَلاَ يَتَأَثَّرُ بِمِثْل هَذِهِ الْعَوَارِضِ، وَقَدْ سَبَقَ بَحْثُ ذَلِكَ (ر: ف) . 144 - أَمَّا فِي الْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ: فَيُقَرِّرُ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ أَنَّ الْمَال الَّذِي تُقَيَّدُ الْحَوَالَةُ بِإِيفَاءِ دَيْنِهَا بِهِ أَوْ مِنْهُ، إِذَا كَانَ عَيْنًا - أَمَانَةً كَانَتْ أَوْ مَضْمُونَةً كَالْمَغْصُوبَةِ - ثُمَّ تَبَيَّنَ اسْتِحْقَاقُهَا لِغَيْرِ الْمُحِيل، أَوْ كَانَ دَيْنًا ثُمَّ تَبَيَّنَ انْعِدَامُهُ مِنَ الأَْصْل لاَ بِسَبَبٍ عَارِضٍ، أَيْ إِنَّ الذِّمَّةَ لَمْ تُشْغَل بِهِ أَصْلاً، لاَ أَنَّهَا شُغِلَتْ ثُمَّ فَرَغَتْ بِسَبَبٍ طَارِئٍ: فَهُنَا يَتَبَيَّنُ بُطْلاَنُ الْحَوَالَةِ، بِمَعْنَى عَدَمِ انْعِقَادِهَا بَتَاتًا.
مِثَال ذَلِكَ فِي الأَْعْيَانِ: رَجُلٌ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ أَلْفُ دِينَارٍ. بِطَرِيقِ الْوَدِيعَةِ أَوِ الْغَصْبِ، فَأَحَال عَلَيْهِ بِهَا دَائِنًا لَهُ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَبَيَّنَ أَنَّ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ لَيْسَتْ مِلْكًا لِلْمُحِيل، وَلاَ لَهُ عَلَيْهَا وِلاَيَةٌ، كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِ بِطَرِيقِ السَّرِقَةِ، أَوْ ظَهَرَتْ مُسْتَحَقَّةً لِغَيْرِهِ، فَإِنَّ الْحَوَالَةَ تَبْطُل لأَِنَّهَا عَلِقَتْ بِمَعْدُومٍ حُكْمًا.
وَمِثَالُهُ فِي الدُّيُونِ: رَجُلٌ بَاعَ آخَرَ مَنْزِلاً أَوْ خَلًّا، فَأَحَال عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ دَائِنًا لَهُ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ
اسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْخَل خَمْرٌ، فَتَبْطُل الْحَوَالَةُ، لأَِنَّهَا قُيِّدَتْ بِدَيْنٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ وُجُودٌ قَطُّ.
وَفِي جَمِيعِ الأَْحْوَال مَتَى بَطَلَتِ الْحَوَالَةُ، فَإِنَّ الدَّيْنَ يَعُودُ عَلَى الْمَدِينِ الأَْصْلِيِّ، وَهُوَ الْمُحِيل. (1)
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِمْ: مَا لَوْ بَاعَ مَنْزِلاً، وَأَحَال عَلَى ثَمَنِهِ، أَوْ أُحِيل هُوَ بِهِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَنْزِل مَوْقُوفٌ، إِمَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِمَّا بِإِقْرَارِ الأَْطْرَافِ الثَّلاَثَةِ - الْمُحِيل وَالْمُحَال وَالْمُحَال عَلَيْهِ - وَكَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مَا لَوْ أَحَال عَلَى أُجْرَةِ شَهْرٍ لِدَارٍ لَهُ، فَمَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ خِلاَلَهُ، إِذْ قَالُوا: تَبْطُل الْحَوَالَةُ فِي مُقَابِل مَا بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ، لِبُطْلاَنِ الإِْجَارَةِ فِيهَا.
قَال الْبَاجِيُّ فِي تَعْلِيل الْقَوْل: بِأَنَّ الْحَوَالَةَ بَاطِلَةٌ، وَالدَّيْنُ كَمَا كَانَ، وَلَوْ دَفَعَ الْمُحَال عَلَيْهِ إِلَى الْمُحَال لَرَجَعَ عَلَيْهِ بِهِ، فَهُوَ أَنَّ الْمُحَال عَلَيْهِ لَيْسَ طَرَفًا فِي عَقْدِ الْحَوَالَةِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ الْمُحِيل - مُبَاشَرَةً، أَوْ بِوَاسِطَةٍ كَالْمُحَال - لأَِنَّهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لِلْبَائِعِ بِعَقْدٍ آخَرَ، فَإِذَا سَقَطَ اسْتِحْقَاقُهُ بِهَلاَكِ الْمَبِيعِ مَثَلاً قَبْل التَّسْلِيمِ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنَ الثَّمَنِ فَلاَ يُكَلَّفُ أَدَاءَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَفَعَهُ حُقَّ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِنْ شَرَائِطِ الْحَوَالَةِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُحَال عَلَيْهِ مِثْل مَا عَلَى الْمُحِيل فَإِذَا انْتَفَى الشَّرْطُ انْتَفَى
__________
(1) البحر الرائق 6 / 275، وابن عابدين على الدر 4 / 293.
الصفحة 235