كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)
الَّذِي قُيِّدَتْ بِهِ الْحَوَالَةُ دَيْنًا فَاتَ بِأَمْرٍ عَارِضٍ بَعْدَ الْحَوَالَةِ كَذَلِكَ.
مِثَالُهُ: رَجُلٌ بَاعَ بِضَاعَةً بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَأَحَال عَلَى الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهَا، ثُمَّ احْتَرَقَتْ الْبِضَاعَةُ مَثَلاً أَوْ غَرِقَتْ قَبْل تَسْلِيمِهَا إِلَى الْمُشْتَرِي، أَوْ رُدَّتْ بِعَيْبٍ، أَوْ خِيَارٍ مَا - وَلَوْ بَعْدَ التَّسْلِيمِ - أَوْ تَقَايَلاَ الْبَيْعَ، فَإِنَّ الثَّمَنَ يَسْقُطُ عَنِ الْمُشْتَرِي، وَلَكِنْ لاَ تَبْطُل الْحَوَالَةُ، لأَِنَّ الدَّيْنَ الَّذِي قُيِّدَتْ بِهِ كَانَ قَائِمًا عِنْدَ عَقْدِهَا، فَلَيْسَ يَضُرُّ سُقُوطُهُ بَعْدُ. ثُمَّ إِذَا أَدَّى الْمُحَال عَلَيْهِ اسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ عَلَى الْمُحِيل، لأَِنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ. (1)
فَإِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي فِي الْمِثَال الآْنِفِ هُوَ الْمُحِيل لِلْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفِقْرَةِ (145) حُكْمُهُمْ بِبُطْلاَنِ الْحَوَالَةِ.
151 - وَالشَّافِعِيَّةُ يُوَافِقُونَ الْحَنَفِيَّةَ عَلَى هَذِهِ التَّفْرِقَةِ تَمَامَ الْمُوَافَقَةِ، فِيمَا اعْتَمَدُوهُ، وَكَذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ، فِيمَا عَلَيْهِ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، وَإِنْ كَانُوا كَسَائِرِ الْحَنَابِلَةِ لاَ يُبْطِلُونَ الْحَوَالَةَ بَعْدَ قَبْضِ دَيْنِهَا، وَيَقُولُونَ: يَتْبَعُ صَاحِبُ الْمَال مَالَهُ حَيْثُ كَانَ. (2) وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ
__________
(1) البحر الرائق 6 / 275 والفتاوى الهندية 3 / 306.
(2) المغني لابن قدامة 5 / 56 والإنصاف 5 / 229، ونصت المادة 693 من المجلة على أن المحال عليه يرجع على المحيل. . . كما نص مرشد الحيران في المادة / 902 على أنه إذا أحال البائع أحدا بالثمن على المشتري فأداه إلى المحال له، ثم استحق المبيع بالبينة يرجع المشتري بما أداه على البائع لا على المحال الذي قبضه، وإن لم يظفر بالبائع.
(ر: ف 150) وَقَدْ عَلَّل الشَّافِعِيَّةُ وَمُوَافِقُوهُمْ بِقَوْلِهِمْ: إِنَّ الدَّيْنَ سَقَطَ فِي الْحَالَيْنِ بَعْدَ ثُبُوتٍ، فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، نَظِيرُ مَا لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ ثَمَنُ خَمْرٍ مَوْقُوفٍ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ بُطْلاَنُ الْحَوَالَةِ فِيهِمَا، إِلاَّ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ فِي حَالَةِ الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ، وَهَذَا الْغَيْرُ هُوَ الْمُحَال.
وَقَدِ اسْتَنْبَطَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ مِنْ هَذَا التَّعْلِيل أَنَّهُ فِي حَالَةِ الْحَوَالَةِ بِهِ - أَيْ بِالثَّمَنِ مِنْ قِبَل الْمُشْتَرِي - لَوْ أَنَّ الْمُحَال - وَهُوَ الْبَائِعُ - كَانَ قَدْ أَحَل مَكَانَهُ دَائِنًا لَهُ، بِطَرِيقِ الْحَوَالَةِ، قَبْل سُقُوطِ الدَّيْنِ، لَمْ تَبْطُل الْحَوَالَةُ أَيْضًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ. (1)
152 - ثُمَّ الأَْصَحُّ أَنَّهُ لاَ فَرْقَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - فِي حَالَتَيِ الْبُطْلاَنِ وَعَدَمِهِ - بَيْنَ أَنْ يَكُونَ طُرُوءُ الطَّارِئِ الْمُسْقِطِ لِلدَّيْنِ قَدْ وَقَعَ بَعْدَ قَبْضِ دَيْنِ الْحَوَالَةِ أَوْ قَبْلَهُ.
وَيَتَرَتَّبُ عَلَى بُطْلاَنِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ، أَنْ يَرْجِعَ صَاحِبُ الْمَال (الْمُحِيل) عَلَى الْمُحَال الَّذِي قَبَضَهُ - إِمَّا بِعَيْنِهِ إِنْ كَانَ بَاقِيًا، أَوْ بِبَدَلِهِ إِنْ كَانَ تَالِفًا - وَلَوْ رَدَّهُ الْمُحَال عَلَى الْمُحَال عَلَيْهِ، لأَِنَّهُ لاَ يَمْلِكُ الْحَقَّ فِي هَذَا الرَّدِّ، فَقَدْ قَبَضَ بِإِذْنٍ، فَإِنْ لَمْ يَقَعِ الْقَبْضُ عَنْ نَفْسِهِ، وَقَعَ عَنِ الآْذِنِ، وَيَتَعَيَّنُ حَقُّهُ فِيمَا قَبَضَهُ.
__________
(1) مغني المحتاج على المنهاج 2 / 196.
الصفحة 238