كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)

وَيَتَرَتَّبُ عَلَى بَقَاءِ صِحَّتِهَا قَبْل الْقَبْضِ أَنَّ الْمُحَال عَلَيْهِ لاَ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَلَى الْمُحِيل إِلاَّ بَعْدَ الدَّفْعِ.
وَيُفَرِّقُ الْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا قَبْل الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ: فَبَعْدَ الْقَبْضِ لاَ تَبْطُل الْحَوَالَةُ عِنْدَهُمْ جَزْمًا، بَل يَتْبَعُ صَاحِبُ الْمَال مَالَهُ حَيْثُ كَانَ. أَمَّا قَبْل الْقَبْضِ فَعِنْدَهُمْ قَوْلاَنِ: بِالْبُطْلاَنِ وَبِعَدَمِهِ. (1)
أَمَّا أَشْهَبُ - وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَ مُتَأَخِّرُو الْمَالِكِيَّةِ طَرِيقَتَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ - فَيُطْلِقُ الْقَوْل هُنَا بِعَدَمِ الْبُطْلاَنِ، لأَِنَّ الْفَسْخَ عَارِضٌ - إِلاَّ أَنَّهُ يُبْطِل الْحَوَالَةَ بِالثَّمَنِ أَوْ عَلَيْهِ، إِذَا رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ. (2)
153 - وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْحَوَالَةِ بِالدَّيْنِ وَالْحَوَالَةِ عَلَيْهِ، جَارِيَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَعَلَى قَوْل الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَمِنْ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ مُخَالِفُونَ: يُسَوُّونَ بَيْنَ الْحَوَالَةِ بِالدَّيْنِ وَالْحَوَالَةِ عَلَيْهِ فِي الْبُطْلاَنِ، لِمَا قَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ، وَلاَ يَأْبَهُونَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ، لِعَدَمِ فَائِدَةِ الْحَوَالَةِ. (3)
__________
(1) مغني المحتاج 2 / 196 والمغني 5 / 56 والإنصاف 5 / 229.
(2) وهذا الإبطال لا يتفق مع التأصيل الذي أصله، إلا إذا جرينا على أن الرد بالعيب رفع للعقد من أصله، لا من حينه، وهما قولان عند المالكية وغيرهم (الخرشي على خليل 4 / 236) .
(3) المغني لابن قدامة 5 / 56.
وَآخَرُونَ: يُسَوُّونَ بَيْنَهُمَا فِي الصِّحَّةِ - مِنْهُمْ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ - فَهُمْ لاَ يَنْظُرُونَ إِلَى تَعَلُّقِ حَقِّ أَجْنَبِيٍّ، بَل إِلَى أَنَّ الدَّيْنَ كَانَ قَائِمًا عِنْدَ عَقْدِ الْحَوَالَةِ عَلَى أَيَّةِ حَالٍ وَصَحَّتِ الْحَوَالَةُ وَبَرِئَتْ بِهَا ذِمَّةُ الْمُحِيل، فَلاَ يَضُرُّ سُقُوطُهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، لأَِنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْبَقَاءِ مَا لاَ يُغْتَفَرُ فِي الاِبْتِدَاءِ.
وَالْقِيَاسُ الَّذِي كَانَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ نَفْسُهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ: هُوَ أَنَّ الْحَوَالَةَ بِالدَّيْنِ وَعَلَيْهِ، إِذَا طَرَأَ فَاسِخٌ لِسَبَبِ وُجُوبِهِ، تُقَاسُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي أَحَدِ عِوَضَيِ الْبَيْعِ، إِذَا طَرَأَ مَا يَفْسَخُهُ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى زَيْدٌ بِثَوْبِهِ شَيْئًا مَا مِنْ عَمْرٍو، وَبَاعَ زَيْدٌ هَذَا الشَّيْءَ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ الثَّوْبَ بِعَيْبٍ، فَإِنَّ الصَّفْقَةَ الثَّانِيَةَ مَاضِيَةٌ. وَالْجَامِعُ فِي هَذَا الْقِيَاسِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَفْقَةٌ سَبَقَتْهَا أُخْرَى، فَلاَ يُؤَثِّرُ فِي الثَّانِيَةِ طُرُوءُ انْفِسَاخِ الأُْولَى. (1)
4 - الاِنْتِهَاءُ بِالتَّوَى:
154 - التَّوَى فِي اللُّغَةِ: وِزَانُ الْهَوَى - وَقَدْ يُمَدُّ - التَّلَفُ وَالْهَلاَكُ. هَكَذَا عُمِّمَ فِي - الْمِصْبَاحِ - وَقَصَرَهُ صَاحِبُ - الصِّحَاحِ - عَلَى هَلاَكِ الْمَال. وَيُشْتَقُّ مِنْهُ فَيُقَال: تَوِيَ الْمَال - مِنْ بَابِ فَرِحَ - يَتْوَى، فَهُوَ تَوٍ وَتَاوٍ. (2)
__________
(1) البجيرمي على المنهج 3 / 23، والأشباه للسيوطي 124، والمهذب 1 / 338 والمغني لابن قدامة 5 / 56 والفروع 2 / 627.
(2) المغرب، وتاج العروس.

الصفحة 239