كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)

كَالْحُدُودِ، وَإِمَّا كَفَّارَاتٌ وَهِيَ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعِبَادَةِ.
وَالأَْصْل أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لأَِنَّهُ مَا مِنْ حَقٍّ لِلْعَبْدِ إِلاَّ وَفِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَمْرُهُ بِإِيصَال ذَلِكَ الْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَإِفْرَادُ نَوْعٍ مِنَ الْحُقُوقِ بِجَعْلِهِ حَقًّا لِلْعَبْدِ فَقَطْ إِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ تَسْلِيطِ الْعَبْدِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ بِحَيْثُ لَوْ أَسْقَطَهُ لَسَقَطَ. (1)
وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ مَا يَسْقُطُ مِنْ هَذِهِ الْحُقُوقِ وَمَا لاَ يَسْقُطُ:

أَوَّلاً: حَقُّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:
21 - الأَْصْل أَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - سَوَاءٌ أَكَانَتْ عِبَادَاتٍ كَالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، أَمْ كَانَتْ عُقُوبَاتٍ كَالْحُدُودِ، أَمْ كَانَتْ مُتَرَدِّدَةً بَيْنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعِبَادَةِ كَالْكَفَّارَاتِ، أَمْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْحُقُوقِ الَّتِي تَثْبُتُ لِلْعَبْدِ بِصِفَةٍ ذَاتِيَّةٍ بِمُقْتَضَى الشَّرِيعَةِ كَحَقِّ الْوِلاَيَةِ عَلَى الصَّغِيرِ، وَحَقِّ الأُْبُوَّةِ، وَالأُْمُومَةِ، وَحَقِّ الاِبْنِ فِي الأُْبُوَّةِ وَالنَّسَبِ - هَذِهِ الْحُقُوقُ لاَ تَقْبَل الإِْسْقَاطَ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعِبَادِ، لأَِنَّهُ لاَ يَمْلِكُ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ. (2)
__________
(1) الفروق للقرافي 1 / 140 - 141 والمنثور في القواعد 2 / 58 - 59، وشرح المنار / 886 وما بعدها.
(2) البدائع 7 / 55 - 56 والموافقات 2 / 375 - 376 والفروق للقرافي 1 / 140 - 141، 195 والمنثور 3 / 393 وشرح المنار / 885 - 886 ومغني المحتاج 4 / 194 وإعلام الموقعين 1 / 108.
وَمَنْ حَاوَل إِسْقَاطَ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُقَاتَل كَمَا فَعَل أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَانِعِي الزَّكَاةِ. (1)
بَل إِنَّ السُّنَنَ الَّتِي فِيهَا إِظْهَارُ الدِّينِ وَتُعْتَبَرُ مِنْ شَعَائِرِهِ كَالآْذَانِ لَوِ اتَّفَقَ أَهْل بَلْدَةٍ عَلَى تَرْكِهِ وَجَبَ قِتَالُهُمْ. (2)
وَلاَ يَجُوزُ التَّحَيُّل عَلَى إِسْقَاطِ الْعِبَادَاتِ كَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَقْدِرُ بِهِ عَلَى الْحَجِّ فَوَهَبَهُ كَيْ لاَ يَجِبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَكَمَنْ دَخَل عَلَيْهِ وَقْتُ صَلاَةٍ فَشَرِبَ دَوَاءً مُنَوِّمًا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا وَهُوَ فَاقِدٌ لِعَقْلِهِ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ (3) .
كَمَا تَحْرُمُ الشَّفَاعَةُ لإِِسْقَاطِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى، لأَِنَّ الْحَدَّ حَقٌّ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ غَضِبَ حِينَ شَفَعَ أُسَامَةُ فِي الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى؟ (4)
أَمَّا مَا اجْتَمَعَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ كَالْقَذْفِ مَعَ الاِخْتِلاَفِ فِي تَغْلِيبِ أَحَدِهِمَا، فَإِنَّ
__________
(1) البدائع 2 / 35 والمغني 2 / 572 والتبصرة بهامش فتح العلي 2 / 188 والمهذب 1 / 148.
(2) الاختيار 1 / 42 ومنح الجليل 1 / 117 والمهذب 1 / 62.
(3) الموافقات 2 / 375 - 376 - 379 والشرح الصغير 1 / 210 ط الحلبي.
(4) ديث: " أتشفع في حد. . . " أخرجه البخاري (الفتح 12 / 87 - ط السلفية) ومسلم 3 / 1315 - ط الحلبي) من حديث عائشة.

الصفحة 24