كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)
وَعَلَى هَذَا، فَبَرَاءَةُ الْمُحِيل لَمْ تَثْبُتْ مُطْلَقَةً، بَل مَشْرُوطَةً بِعِوَضٍ. فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ هَذَا الْعِوَضُ عَادَ الدَّيْنُ إِلَى ذِمَّةِ الْمُحِيل فَشَغَلَهَا كَمَا كَانَ. نَظِيرُهُ أَنْ يَهْلِكَ الْمَبِيعُ قَبْل قَبْضِهِ، أَوْ يَخْرُجَ مُسْتَحَقًّا، أَوْ يَتَبَيَّنَ بِهِ عَيْبٌ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ، إِذِ الْعُرْفُ قَاضٍ بِأَنَّهُ مَا بَذَل الثَّمَنَ إِلاَّ لِيَحْصُل عَلَى مَبِيعٍ سَلِيمٍ، فَإِذَا فَاتَ هَذَا الْمَقْصُودُ الَّذِي هُوَ فِي قُوَّةِ الْمَشْرُوطِ، عَادَ بِالثَّمَنِ الَّذِي بَذَلَهُ. هَذَا قِيَاسٌ لاَ شَكَّ فِي جَلاَئِهِ. (1)
أَدِلَّةُ الشَّافِعِيَّةِ وَمُوَافِقِيهِمْ:
وَيَسْتَدِل الشَّافِعِيَّةُ وَمُوَافِقُوهُمْ عَلَى عَدَمِ الرُّجُوعِ فِي حَالَةِ التَّوَى مُطْلَقًا بِالأَْدِلَّةِ التَّالِيَةِ:
أ - السُّنَّةُ الْمُطَهَّرَةُ:
161 - فَقَدْ جَاءَ فِي قَوْلِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الأَْوْسَطِ، وَأَصْلُهُ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ مَنْ أُحِيل عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ (2) هَذَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ تَوًى وَغَيْرِهِ، وَلاَ يُوجَدُ مُخَصِّصٌ لِهَذَا الْعُمُومِ. (3)
ب - آثَارُ الصَّحَابَةِ:
162 - مِنْ ذَلِكَ: (أَنَّ حَزْنًا جَدَّ سَعِيدِ بْنِ
__________
(1) الزيلعي على الكنز 4 / 172، وفتح القدير على الهداية 5 / 448.
(2) الحديث تقدم تخرجه ف / 7.
(3) نهاية المحتاج 4 / 415.
الْمُسَيِّبِ كَانَ لَهُ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَيْنٌ فَأَحَالَهُ بِهِ، فَمَاتَ الْمُحَال عَلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ فَقَال: اخْتَرْتَ عَلَيْنَا، أَبْعَدَكَ اللَّهُ) وَرَوَى ابْنُ حَزْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّهُ كَانَ لأَِبِيهِ الْمُسَيِّبِ دَيْنٌ عَلَى إِنْسَانٍ أَلْفَا دِرْهَمٍ، وَلِرَجُلٍ آخَرَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَلْفَا دِرْهَمٍ: فَقَال ذَلِكَ الرَّجُل لِلْمُسَيِّبِ: أَنَا أُحِيلُكَ عَلَى عَلِيٍّ، وَأَحِلْنِي أَنْتَ عَلَى فُلاَنٍ، فَفَعَلاَ. فَانْتَصَفَ الْمُسَيِّبُ مِنْ عَلِيٍّ، وَتَلِفَ مَال الَّذِي أَحَالَهُ الْمُسَيِّبُ عَلَيْهِ. فَأَخْبَرَ الْمُسَيِّبُ بِذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَال لَهُ عَلِيٌّ: أَبْعَدَهُ اللَّهُ. (1)
أَدِلَّةُ الْمَالِكِيَّةِ وَمُوَافِقِيهِمْ:
162 م - الْمَالِكِيَّةُ فِي اسْتِدْلاَلِهِمْ عَلَى عَدَمِ الرُّجُوعِ فِي التَّوَى إِلاَّ فِي حَالَتَيِ الشَّرْطِ أَوِ الْغُرُورِ يَقُولُونَ:
إِنَّ أَدِلَّةَ الشَّافِعِيَّةِ فِي رَفْضِ الرُّجُوعِ مُطْلَقًا مُخَصَّصَةٌ بِهَذَيْنِ الدَّلِيلَيْنِ التَّالِيَيْنِ وَلَيْسَتْ عَلَى إِطْلاَقِهَا:
(1) الْمُحَال عَلَى مُفْلِسٍ يَجْهَل إِفْلاَسَهُ كَمُشْتَرِي السِّلْعَةِ يَجْهَل عَيْبَهَا، إِذِ الإِْفْلاَسُ عَيْبٌ فِي الْمُحَال عَلَيْهِ، فَيَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ، كَمَا أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ بِالْعَيْبِ. وَهَكَذَا يَقُول الْحَنَابِلَةُ
__________
(1) العناية على الهداية بهامش فتح القدير 5 / 447، والمغني مع الشرح الكبير 5 / 59، والمحلى 8 / 109 و 110.
الصفحة 242