كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)
وَتَعَالَى. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِ أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} (1) وَمَا رَوَاهُ سَلْمَانُ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُل إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ (2) .
وَالْحَيَاءُ بِمَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ مَطْلُوبٌ، وَقَدْ حَثَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَغَّبَ فِيهِ، لأَِنَّهُ بَاعِثٌ عَلَى أَفْعَال الْخَيْرِ وَمَانِعٌ مِنَ الْمَعَاصِي، وَيَحُول بَيْنَ الْمَرْءِ وَالْقَبَائِحِ، وَيَمْنَعُهُ مِمَّا يُعَابُ بِهِ وَيُذَمُّ، فَإِذَا كَانَ هَذَا أَثَرَهُ فَلاَ شَكَّ أَنَّهُ خُلُقٌ مَحْمُودٌ، لاَ يُنْتِجُ إِلاَّ خَيْرًا، فَالَّذِي يَهُمُّ بِفِعْل فَاحِشَةٍ فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنِ اجْتِرَاحِهَا، أَوْ يَعْتَدِي عَلَيْهِ سَفِيهٌ فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنْ مُقَابَلَةِ السَّيِّئَةِ بِالسَّيِّئَةِ، أَوْ يَسْأَلُهُ سَائِلٌ فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنْ حِرْمَانِهِ، أَوْ يَضُمُّهُ مَجْلِسٌ فَيُمْسِكُ الْحَيَاءُ بِلِسَانِهِ عَنِ الْكَلاَمِ، وَالْخَوْضِ فِيمَا لاَ يَعْنِيهِ، فَالَّذِي يَكُونُ لِلْحَيَاءِ فِي نَفْسِهِ هَذِهِ الآْثَارُ الْحَسَنَةُ، فَهُوَ ذُو خُلُقٍ مَحْمُودٍ، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، فَقَال لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِْيمَانِ. (3)
__________
(1) سورة البقرة / 26.
(2) تفسير الرازي 1 / 131 وما بعدها. وحديث: " إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع الرجل يديه ". أخرجه الترمذي (5 / 557 - ط الحلبي) وقال: " هذا حديث حسن غريب ".
(3) حديث: " دعه، فإن الحياء من الإيمان ". أخرجه البخاري (الفتح 1 / 74 - ط السلفية) ، ومسلم (1 / 63 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عمر.
وَقَال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ (1) وَقَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإِْيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَفْضَلُهَا قَوْل: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَْذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِْيمَانِ (2) وَقَال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: الْحَيَاءُ وَالإِْيمَانُ قُرِنَا جَمِيعًا، فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الآْخَرُ (3) وَقَال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: إِنَّ لِكُل دِينٍ خُلُقًا وَخُلُقُ الإِْسْلاَمِ الْحَيَاءُ (4) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ (5) ، وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ
__________
(1) حديث: " الحياء لا يأتي إلا بخير ". أخرجه البخاري (الفتح 10 / 521 - ط السلفية) ، ومسلم (1 / 64 - ط الحلبي) من حديث عمران بن حصين.
(2) حديث: " الإيمان بضع وسبعون شعبة ". أخرجه مسلم (1 / 63 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(3) حديث: " الحياء والإيمان قرنا جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر ". أخرجه الحاكم (1 / 22 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث عبد الله بن عمر، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(4) حديث: " إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء " أخرجه ابن ماجه (2 / 1399 - الحلبي) من حديث أنس، وضعفه البوصيري كما في مصباح الزجاجة (4 / 230 - ط دار العربية) .
(5) حديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم: " أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه ". أخرجه البخاري (الفتح 10 / 513 - ط السلفية) ، ومسلم (4 / 1809 - ط الحلبي) من حديث أبي سعيد الخدري.
الصفحة 261