كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)

مَوْطِنٍ، وَجَرَتْ عَادَتُهُمْ مَعَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَتَفَضَّلُونَ مَعَهُمْ فِي أَمْلاَكِهِمْ بِالْبِنَاءِ وَالْحَرْثِ وَالْغِرَاسَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِمَارَةِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْل لِكَثْرَةِ ذِمَّتِهِمْ وَغِنَاهُمْ وَعُلُوِّ هِمَّتِهِمْ وَمَحَاسِنِهِمْ مَعَ النَّاسِ، ثُمَّ إِنَّ بَعْضَ السَّاكِنِينَ أَنْكَرُوا الْفَضْل وَالإِْحْسَانَ وَالْخَيْرَ، وَأَرَادُوا بِزَعْمِهِمْ أَنْ يَمْتَازُوا بِبَعْضِ الأَْمْلاَكِ بِسَبَبِ الْعِمَارَةِ وَيَنْسُبُوهَا لأَِنْفُسِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ، فَهَل تَجُوزُ الْعِمَارَةُ عَلَى أَصْحَابِ الأَْمْلاَكِ أَمْ لاَ تَجُوزُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إِلاَّ إِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ بِانْتِقَال الأَْمْلاَكِ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ؟ فَأَجَابَ أَنَّهَا لاَ تَجُوزُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إِلاَّ إِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ مَقْبُولَةٌ بِانْتِقَال الأَْمْلاَكِ، إِمَّا بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْعِمَارَةِ الْعَارِيَةِ عَنْ ذَلِكَ فَلَغْوٌ، وَلاَ عِبْرَةَ بِهَا وَلاَ مُعَوَّل عَلَيْهَا. (1) وَدَقَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْحَائِكُ فَقَال: إِنَّ فَتْوَى السَّرَّاجِ هِيَ فِيمَا إِذَا كَانَتِ الأَْرْضُ الْمَذْكُورَةُ مَعْرُوفَةً لِلْقَائِمِ وَمَنْسُوبَةً إِلَيْهِ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ فَلاَ تُنْزَعُ مِنْ يَدِ حَائِزِهَا. (2)
12 - خَامِسًا: أَنْ تَسْتَمِرَّ الْحِيَازَةُ عَشْرَ سِنِينَ فَأَكْثَرَ: إِذَا حَازَ الأَْجْنَبِيُّ غَيْرُ الشَّرِيكِ عَقَارًا وَتَوَفَّرَتِ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ قَبْل هَذَا فَإِنَّهُ لاَ يَنْتَفِعُ بِحِيَازَتِهِ إِلاَّ إِذَا طَال أَمَدُ الْحِيَازَةِ.
__________
(1) حاشية الرهوني 7 / 512.
(2) حاشية الشيخ على حلي المعاصم 3 كراس 28 ص 2.
وَالطُّول الْمُعْتَبَرُ دَلِيلاً عَلَى الْمِلْكِيَّةِ قَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِهِ هَل يُؤَقَّتُ بِزَمَنٍ، أَوْ مَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى اقْتِنَاعِ الْحَاكِمِ.
فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَا سَمِعْتُ مَالِكًا يُحَدِّدُ فِيهِ عَشْرَ سِنِينَ وَلاَ غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى أَنَّ هَذَا قَدْ حَازَهَا دُونَ الآْخَرِ فِيمَا يُكْرَى وَيُهْدَمُ وَيُبْنَى وَيُسْكَنُ. (1)
وَذَهَبَ رَبِيعَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الرَّجُل حَاضِرًا وَمَالُهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَمَضَتْ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ، كَانَ الْمَال لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ بِحِيَازَتِهِ إِيَّاهُ عَشْرَ سِنِينَ، إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ الآْخَرُ بِبَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّهُ أَكْرَى، أَوْ أَسْكَنَ، أَوْ أَعَارَ عَارِيَّةً، أَوْ صَنَعَ شَيْئًا مِنْ هَذَا، وَإِلاَّ فَلاَ شَيْءَ لَهُ. (2)
وَعُمْدَةُ التَّقْدِيرِ بِعَشْرِ سِنِينَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَرْفَعُهُ إِلَى الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: مَنْ حَازَ شَيْئًا عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ لَهُ. قَال عَبْدُ الْجَبَّارِ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ. (3)
__________
(1) المدونة 4 / 99.
(2) المدونة 4 / 100.
(3) حديث: " من حاز شيئا عشر سنين فهو له. . . " أخرجه ابن القاسم في المدونة (5 / 192 - نشر دار صادر) من حديث سعيد بن المسيب مرسلا، وفي إسناده " عبد الجبار بن عمر الأيلي " وهو ضعيف كما في ترجمته من التهذيب لابن حجر (6 / 103 - 104 - ط دائرة المعارف العثمانية) .

الصفحة 282