كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)
فَهَذِهِ الْحُقُوقُ وَمَا شَابَهَهَا يَجُوزُ إِسْقَاطُهَا، لأَِنَّ كُل صَاحِبِ حَقٍّ لاَ يُمْنَعُ مِنْ إِسْقَاطِ حَقِّهِ مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَانِعٌ. (1)
وَمِنَ الْمَوَانِعِ الَّتِي تَمْنَعُ إِسْقَاطَ مِثْل هَذِهِ الْحُقُوقِ مَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
فَمِمَّا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى مَنْعِ إِسْقَاطِهِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، كَحَقِّ الصَّغِيرِ فِي النَّسَبِ. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْحَقُّ فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِمَنْ لَحِقَ بِهِ الصَّغِيرُ إِسْقَاطُ النَّسَبِ، فَمَنْ أَقَرَّ بِابْنٍ، أَوْ هُنِّئَ بِهِ فَسَكَتَ فَقَدِ الْتَحَقَ بِهِ، وَلاَ يَصِحُّ لَهُ إِسْقَاطُ نَسَبِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. (2)
وَمِنْ ذَلِكَ تَصَرُّفُ الْمُفْلِسِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِلْفَلَسِ، فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ حَقِّ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ تَصَرُّفًا مُسْتَأْنَفًا، كَوَقْفٍ وَعِتْقٍ وَإِبْرَاءٍ وَعَفْوٍ مَجَّانًا، وَذَلِكَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ. (3)
وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ صِفَاتُ الْحُقُوقِ كَالأَْجَل وَالْجَوْدَةِ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: صِفَاتُ الْحُقُوقِ لاَ تُفْرَدُ بِالإِْسْقَاطِ فِي الأَْصَحِّ فَلاَ يَسْقُطُ الأَْجَل، وَمِثْلُهُ الْجَوْدَةُ بِالإِْسْقَاطِ فِي حِينِ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. (4)
__________
(1) البدائع 5 / 297 وشرح منتهى الإرادات 2 / 260.
(2) الكافي لابن عبد البر 2 / 616 ونهاية المحتاج 7 / 116 والمغني 7 / 424.
(3) الدسوقي 3 / 265 ونهاية المحتاج 4 / 305 - 306 ومنتهى الإرادات 2 / 278.
(4) أشباه ابن نجيم / 120 والمنثور في القواعد 2 / 315 - 316.
وَغَيْرُ ذَلِكَ كَإِسْقَاطِ الْمَجْهُول، وَإِسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْل وُجُوبِهِ، وَبَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي: (إِبْرَاءٌ - إِسْقَاطٌ) .
وَأَمَّا الاِعْتِيَاضُ عَنِ الْحُقُوقِ فَالْقَاعِدَةُ عِنْدَ بَعْضِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْحَقَّ إِذَا كَانَ مُجَرَّدًا عَنِ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ، كَحَقِّ الشُّفْعَةِ، فَلَوْ صَالَحَ عَنْهُ بِمَالٍ بَطَل حَقُّهُ فِي الشُّفْعَةِ وَيَرْجِعُ بِهِ. إِلَخْ.
وَحَقُّ الْقَسْمِ لِلزَّوْجَةِ، وَحَقُّ الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ لِلْمُخَيَّرَةِ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا مُنْفَرِدًا فِي الْمَحَل الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ صَحَّ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ، كَحَقِّ الْقِصَاصِ، وَمِلْكِ النِّكَاحِ، وَحَقِّ الرِّقِّ، وَقَال آخَرُونَ مِنْهُمْ: إِنَّ الْحَقَّ إِذَا كَانَ شُرِعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَلاَ يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ ثُبُوتُهُ عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ فَيَكُونُ ثَابِتًا لِصَاحِبِهِ أَصَالَةً فَيَصِحُّ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ. (1)
أَمَّا غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ فَلَمْ يُشِيرُوا إِلَى قَاعِدَةٍ يُمْكِنُ الاِسْتِنَادُ إِلَيْهَا فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ، لَكِنْ بَعْدَ التَّتَبُّعِ لِبَعْضِ الْمَسَائِل يُمْكِنُ أَنْ يُقَال فِي الْجُمْلَةِ: إِنَّ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ (2) يَعْتَبِرُونَ أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي لاَ يَئُول إِلَى الْمَال، أَوْ مَا لَيْسَ عَيْنًا وَلاَ مَنْفَعَةً
__________
(1) أشباه ابن نجيم / 212 وابن عابدين 4 / 14 - 15 والبدائع 6 / 49، 5 / 21.
(2) نهاية المحتاج 6 / 382 والمهذب 1 / 291، 387 والمنثور 3 / 394، والقواعد لابن رجب / 199 وشرح منتهى الإرادات 2 / 266 وكشاف القناع 5 / 206 والمغني 4 / 162.
الصفحة 30