كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)

كَحَقِّ الشُّفْعَةِ، وَحَقِّ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَهِبَةِ الزَّوْجَةِ يَوْمَهَا لِضَرَّتِهَا، فَهَذَا لاَ يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ، أَمَّا مَا كَانَ يَئُول إِلَى مَالٍ كَحَقِّ الْقِصَاصِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ. وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ إِذْ أَنَّ ابْنَ تَيْمِيَّةَ أَجَازَ لِلزَّوْجَةِ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْ هِبَتِهَا يَوْمَهَا لِضَرَّتِهَا وَعَنْ سَائِرِ حُقُوقِهَا مِنَ الْقَسْمِ، كَمَا أَنَّهُ فِي رِوَايَةٍ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ جَوَازُ الاِعْتِيَاضِ عَنْ حَقِّ الشُّفْعَةِ مِنَ الْمُشْتَرِي لاَ مِنْ غَيْرِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنَ الْمَسَائِل الَّتِي وَرَدَتْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُمْ يُجِيزُونَ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْ كُل حَقٍّ ثَبَتَ لِلإِْنْسَانِ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمُ الاِعْتِيَاضُ عَنِ الشُّفْعَةِ وَعَنْ هِبَةِ الزَّوْجَةِ يَوْمَهَا لِضَرَّتِهَا وَغَيْرَ ذَلِكَ. (1)
وَيُنْظَرُ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.

تَقْسِيمُ الْحُقُوقِ بِاعْتِبَارِ مَعْقُولِيَّةِ الْمَعْنَى:

27 - قَسَّمَ الشَّاطِبِيُّ الْحُقُوقَ بِاعْتِبَارِ مَعْقُولِيَّةِ الْمَعْنَى وَعَدَمِ مَعْقُولِيَّةِ الْمَعْنَى (التَّعَبُّدِيِّ) إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ:
الْقِسْمُ الأَْوَّل: مَا هُوَ حَقُّ اللَّهِ خَالِصًا.
مِثْل: الْعِبَادَاتِ، لأَِنَّ الأَْصْل فِي تَنْفِيذِ حَقِّ اللَّهِ هُوَ التَّعَبُّدُ.
حُكْمُهُ: إِذَا طَابَقَ الْفِعْل الأَْمْرَ صَحَّ الْفِعْل،
__________
(1) الدسوقي 2 / 341 ومنح الجليل 2 / 174، 668، 3 / 591 وفتح العلي المالك 1 / 307 - 313، وكشاف القناع 5 / 206.
وَإِذَا لَمْ يُطَابِقِ الْفِعْل الأَْمْرَ لاَ يَصِحُّ الْفِعْل، وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ الأَْصْل فِي التَّعَبُّدِ رُجُوعُهُ إِلَى عَدَمِ مَعْقُولِيَّةِ الْمَعْنَى، بِحَيْثُ لاَ يَصِحُّ فِيهِ إِجْرَاءُ الْقِيَاسِ، وَإِذَا لَمْ يُعْقَل مَعْنَاهُ دَل عَلَى أَنَّ قَصْدَ الشَّارِعِ فِيهِ هُوَ الْوُقُوفُ عِنْدَ مَا حَدَّهُ الشَّارِعُ، بِحَيْثُ لاَ يَتَعَدَّاهُ. مِثْل بَعْضِ أَفْعَال الصَّلاَةِ وَالْحَجِّ. (1) وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (تَعَبُّدِيٌّ) .
الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْعَبْدِ، وَالْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ، وَالأَْصْل فِي حَقِّ اللَّهِ عَدَمُ مَعْقُولِيَّةِ الْمَعْنَى.
مِثْل: قَتْل النَّفْسِ، لأَِنَّهُ لَيْسَ لِلشَّخْصِ خِيَرَةٌ أَوْ حَقٌّ فِي أَنْ يُسْلِمَ نَفْسَهُ لِلْقَتْل لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَالْفِتَنِ وَنَحْوِهَا، كَمَا أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ الاِعْتِدَاءَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقَتْل، لِحَقِّ اللَّهِ أَوِ الاِعْتِدَاءِ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ.
وَحَقُّ اللَّهِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَالْمُغَلَّبُ.
حُكْمُهُ: مِثْل الْقِسْمِ الأَْوَّل وَرَاجِعٌ لَهُ فِي أَنَّ الأَْصْل فِيهِ عَدَمُ مَعْقُولِيَّةِ الْمَعْنَى، لأَِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْحَقَّيْنِ هُوَ حَقُّ اللَّهِ، فَصَارَ حَقُّ الْعَبْدِ مُطْرَحًا شَرْعًا، فَكَأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، لأَِنَّ حَقَّ الْعَبْدِ لَوْ كَانَ مُعْتَبَرًا تَغَلَّبَ حَقُّهُ، وَالْمَفْرُوضُ: أَنَّ حَقَّ اللَّهِ هُوَ الْمُغَلَّبُ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا اشْتَرَكَ فِيهِ الْحَقَّانِ وَحَقُّ الْعَبْدِ هُوَ الْمُغَلَّبُ. وَأَصْلُهُ مَعْقُولِيَّةُ الْمَعْنَى. فَإِذَا
__________
(1) الموافقات 2 / 318.

الصفحة 31