كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)

الأَْشْيَاءِ الإِْبَاحَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (1) وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ، وَاسْتَدَل بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَحَل اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ حَلاَلٌ، وَمَا حَرَّمَهُ فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ، فَاقْبَلُوا مِنَ اللَّهِ عَافِيَتَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيَنْسَى شَيْئًا. (2)
فَإِذَا كَانَ نَقْل الْمِلْكِ عَنْ طَرِيقِ التَّرَاضِي كَمَا فِي الْعُقُودِ، فَمَنْ لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ لِلْعَقَارِ أَوِ الْمَنْقُول الْمَمْلُوكِ لِلْغَيْرِ - قَبْل التَّعَاقُدِ - فَإِنَّ حَقَّهُ حَقُّ تَمَلُّكٍ فَقَطْ، وَهُوَ حَقٌّ مُبَاحٌ، وَهَذَا الْحَقُّ لاَ يُفِيدُ مِلْكًا مُطْلَقًا، وَلاَ مِلْكًا فِي الْجُمْلَةِ. وَلِذَلِكَ لاَ يَتَعَارَضُ حَقُّ التَّمَلُّكِ مَعَ حَقِّ الْمَالِكِ، وَيَسْتَمِرُّ الْحَقُّ الْمُبَاحُ فِي التَّمَلُّكِ إِلَى أَنْ يَصْدُرَ مِنَ الْمَالِكِ لِلْعَقَارِ أَوِ الْمَنْقُول إِيجَابٌ بِالْبَيْعِ لِصَاحِبِ حَقِّ التَّمَلُّكِ.
فَإِذَا أَوْجَبَ صَاحِبُ الْمَال عَلَى نَفْسِهِ بَيْعَ الْمَنْقُول لِصَاحِبِ حَقِّ التَّمَلُّكِ، بِأَنْ صَدَرَ مِنْهُ إِيجَابٌ بِالْبَيْعِ، تَرَقَّى هَذَا الْحَقُّ - حَقُّ التَّمَلُّكِ - إِلَى مَرْحَلَةٍ وَسَطٍ بَيْنَ حَقِّ التَّمَلُّكِ وَالْمِلْكِ، وَهُوَ حَقٌّ وَاحِدٌ يُسَمَّى: الْحَقَّ الثَّابِتَ أَوِ الْحَقَّ الْوَاجِبَ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الْوُصُول إِلَى الْمِلْكِ عَنْ طَرِيقٍ آخَرَ غَيْرِ التَّرَاضِي، بِأَنْ كَانَ عَنْ طَرِيقِ
__________
(1) الدر المختار ورد المحتار 1 / 71 والأشباه والنظائر للسيوطي / 66.
(2) حديث: " ما أحل الله في كتابه فهو حلال " أخرجه البزار (كشف الأستار 1 / 78 - ط الرسالة) من حديث أبي الدرداء وقال " إسناده صالح "، وقال الهيثمي: " إسناده حسن " مجمع الزوائد (1 / 171 - ط القدسي) .
الإِْجْبَارِ، مِثْل: الشُّفْعَةِ وَالْغَنِيمَةِ، فَحَقُّ التَّمَلُّكِ مَوْجُودٌ أَيْضًا إِذَا وُجِدَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِ، وَقَدْ أَكَّدَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حَقَّ التَّمَلُّكِ أَوِ الْمُبَاحِ لاَ يُعْتَبَرُ مِلْكًا مُطْلَقًا. (1)
هَذَا كُلُّهُ فِي الأَْمْوَال الْمَمْلُوكَةِ لِلْغَيْرِ:
47 - أَمَّا غَيْرُ الْمَمْلُوكِ لِلْغَيْرِ، مِثْل: الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَالسَّمَكِ فِي مِيَاهِ الأَْنْهَارِ وَالْبِحَارِ، وَالنَّبَاتِ وَالأَْشْجَارِ فِي الصَّحَارِيِ وَالْغَابَاتِ، وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانَاتُ الْبَرِّيَّةُ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِكُل شَخْصٍ أَنْ يَسْعَى لِتَمَلُّكِهَا، وَذَلِكَ بِالْوَسَائِل الْمَشْرُوعَةِ، لأَِنَّ الْجَمِيعَ لَهُمْ حَقُّ تَمَلُّكِ هَذِهِ الأَْشْيَاءِ وَأَمْثَالِهَا، وَكُل وَاحِدٍ صَالِحٌ لأََنْ يَكُونَ مَالِكًا لَهَا، فَحَقُّ تَمَلُّكِهَا مُسْتَمِرٌّ إِلَى أَنْ يُوجَدَ أَحَدُ الأَْشْخَاصِ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ.

الْحَقُّ الثَّابِتُ أَوِ الْحَقُّ الْوَاجِبُ:
48 - الْحَقُّ الثَّابِتُ - وَيُسَمَّى الْحَقَّ الْوَاجِبَ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ -: هُوَ حَقُّ الشَّخْصِ فِي أَنْ يَتَمَلَّكَ شَيْئًا مُحَدَّدًا - وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ - بِإِرَادَتِهِ وَحْدَهُ، بَعْدَ وُجُودِ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ، وَقَبْل ثُبُوتِ الْمِلْكِ. وَهَذَا الْحَقُّ لَمْ يَصِل إِلَى دَرَجَةِ حَقِّ الْمِلْكِ، لأَِنَّهُ أَدْنَى مِنْهُ، وَلاَ يُفِيدُ مِلْكًا كَمَا أَنَّهُ أَعْلَى دَرَجَةً مِنَ الْمُبَاحِ وَحَقُّ التَّمَلُّكِ، حَيْثُ إِنَّ الْحَقَّ الثَّابِتَ يُعْطِي حُقُوقًا أَكْثَرَ مِنْ حَقِّ
__________
(1) الفروق للقرافي 3 / 20.

الصفحة 42