كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)

سَوَاءٌ الْمِلْكُ وَالْوَقْفُ - وَتُؤَجَّرُ الدَّارُ ثَلاَثِينَ سَنَةً، وَالثَّوْبُ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ. وَفِي قَوْلٍ: لاَ يُزَادُ عَلَى سَنَةٍ. (1)
وَقَال ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: إِنَّمَا يَجْرِي ذَلِكَ - أَيِ الإِْجَارَةُ الطَّوِيلَةُ - فِي الْوَقْفِ إِنْ وَقَعَ عَلَى وَفْقِ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ لِعَيْنِ الْوَقْفِ، وَاصْطِلاَحُ الْحُكَّامِ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُؤَجَّرُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلاَثِ سِنِينَ، لِئَلاَّ يَنْدَرِسَ اسْتِحْسَانٌ مِنْهُمْ. قَال: وَإِنَّمَا اشْتَرَطْنَا ذَلِكَ لِفَسَادِ الزَّمَانِ بِغَلَبَةِ الاِسْتِيلاَءِ عَلَى الْوَقْفِ عِنْدَ طُول الْمُدَّةِ، وَلأَِنَّ شَرْطَ إِجَارَةِ الْوَقْفِ أَنْ يَكُونَ بِأُجْرَةِ الْمِثْل، وَتَقْوِيمُ الْمُدَّةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ الْبَعِيدَةِ صَعْبٌ - أَيْ لِتَغَيُّرِ الأَْسْعَارِ وَطُرُوءِ الرَّغَبَاتِ غَالِبًا - قَال: وَأَيْضًا فَفِيهَا مَنْعُ الاِنْتِقَال إِلَى الْبَطْنِ الثَّانِي، وَضَيَاعُ الأُْجْرَةِ عَلَيْهِمْ إِذَا كَانَتْ مُعَجَّلَةً. وَأَطَال فِي بَيَانِ ذَلِكَ فِي فَتَاوَاهُ الْكُبْرَى الْفِقْهِيَّةِ، وَبَيَّنَ أَنَّ قُضَاةَ الشَّافِعِيَّةِ مَالُوا فِي ذَلِكَ إِلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لأَِنَّهُ أَحْوَطُ. وَنَقَلَهُ عَنِ السُّبْكِيِّ وَغَيْرِهِ. وَبَيَّنَ أَيْضًا أَنَّ مُجَرَّدَ زِيَادَةِ الأُْجْرَةِ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْل لاَ يُسَوِّغُ الإِْجَارَةَ الطَّوِيلَةَ فِي الْوَقْفِ. وَقَال: وَأَلْحَقُوا بِأَرْضِ الْوَقْفِ فِي ذَلِكَ أَرْضَ الْيَتِيمِ. (2)
__________
(1) شرح المنهاج وحاشية القليوبي 3 / 80.
(2) تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي بحاشية الشرواني 6 / 172 في الإجارة، والفتاوى الكبرى الفقهية 3 / 338، 348 وكلامه هذا ضمن رسالة أفردها لذلك سماها " الإتحاف ببيان حكم إجارة الأوقاف " وهي مطبوعة ضمن الفتاوى الكبرى له 3 / 326.
10 - وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ، أَنَّ الإِْجَارَةَ الطَّوِيلَةَ جَائِزَةٌ، عَلَى الأَْصْل فِي الإِْجَارَةِ إِذَا كَانَتْ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي تَبْقَى إِلَيْهَا الْعَيْنُ غَالِبًا وَإِنْ كَثُرَتْ.
وَاسْتَدَل ابْنُ قُدَامَةَ لِهَذَا الأَْصْل بِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {قَال إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيْ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِي حِجَجٍ} (1) قَال: وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَقُمْ عَلَى نَسْخِهِ دَلِيلٌ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لأَِنَّ مَا جَازَ لِسَنَةٍ جَازَ لأَِكْثَرَ مِنْهَا، وَالتَّقْدِيرُ بِسَنَةٍ أَوْ ثَلاَثٍ تَحَكُّمٌ لاَ دَلِيل عَلَيْهِ.
وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي فِي الْوَقْفِ، قَال: إِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ جَازَتْ إِجَارَتُهُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ وَلاَ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ بِعَدَدٍ. وَكَذَلِكَ قَال صَاحِبُ مَطَالِبِ أُولِي النُّهَى وَنَسَبَهُ إِلَى الرِّعَايَةِ وَالْمُغْنِي، وَأَنَّهُمْ قَالُوا: بَل الْوَقْفُ أَوْلَى أَيْ بِجَوَازِ الإِْجَارَةِ الطَّوِيلَةِ.
وَابْنُ الْقَيِّمِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ بَيَّنَ مَفَاسِدَ الإِْجَارَةِ الطَّوِيلَةِ فِي الْوَقْفِ كَمَا بَيَّنَهَا أَصْحَابُ الْمَذَاهِبِ الأُْخْرَى، لَكِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِبُطْلاَنِهَا حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطِ الْوَاقِفُ امْتِنَاعَهَا. (2)
__________
(1) سورة القصص / 27.
(2) المغني لابن قدامة 5 / 401 ط ثالثة، الفتاوى الكبرى 30 / 246 ط الرياض ومطالب أولي النهى 3 / 622، وأعلام الموقعين 3 / 304 القاهرة، المكتبة التجارية الكبرى 1374 هـ.

الصفحة 57