كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)

{وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَْنَامِل مِنَ الْغَيْظِ} (1) فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي هَذِهِ الآْيَةِ أَنَّ هَؤُلاَءِ الْمُنَافِقِينَ يُظْهِرُونَ الإِْيمَانَ عِنْدَ مُلاَقَاتِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فَإِنَّهُمْ يَعَضُّونَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِمْ لأَِجْل الْغَضَبِ وَالْحَنَقِ، لِمَا يَرَوْنَ مِنَ ائْتِلاَفِ الْمُؤْمِنِينَ وَاجْتِمَاعِ كَلِمَتِهِمْ، وَنُصْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُمْ، بِحَيْثُ عَجَزَ أَعْدَاؤُهُمْ عَنْ أَنْ يَجِدُوا سَبِيلاً إلَى التَّشَفِّي وَاضْطُرُّوا إلَى مُدَارَاتِهِمْ، وَعَضُّ الأَْنَامِل عَادَةُ النَّادِمِ الأَْسِيفِ الْعَاجِزِ. (2)
وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَمَّ الْحِقْدَ وَنَفَاهُ عَنِ الْمُؤْمِنِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُؤْمِنُ لَيْسَ بِحَقُودٍ (3)
هَذَا وَمِمَّا وَرَدَ فِي ذَمِّ الْحِقْدِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْهُ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلاَثٌ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ مَا سِوَى ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَمْ يَكُنْ سَاحِرًا يَتْبَعُ السَّحَرَةَ، وَلَمْ يَحْقِدْ عَلَى أَخِيهِ (4) .
__________
(1) سورة آل عمران / 119.
(2) القوانين الفقهية ص 286، وإتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين 8 / 37 - 38 ط الفكر، وروح المعاني 4 / 39 ط المنيرية، وتفسير القرطبي 4 / 182 ط المصرية.
(3) حديث: " المؤمن ليس بحقود " ذكره الغزالي في الإحياء (بشرح الزبيدي 8 / 58 ط الميمنية) وقال العراقي: " لم أجد له أصلا مرفوعا، وإنما هو من قول الفضيل بن عياض: المؤمن يغبط ولا يحسد ".
(4) حديث: " ثلاث من لم يكن فيه واحدة. . . " أخرجه الطبراني في الكبير (12 / 244 ط وزارة الأوقاف العراقية) من حديث عبد الله بن عباس وأورده الهيثمي في المجمع (1 / 104 ط القدسي) وعزاه إلى الطبراني في الكبير والأوسط وقال: " وفيه ليث بن أبي سليم " يعني أنه ضعيف.
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَامَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْل فَصَلَّى فَأَطَال السُّجُودَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ قُبِضَ فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُمْتُ حَتَّى حَرَّكْتُ إبْهَامَهُ فَتَحَرَّكَ فَرَجَعَ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ وَفَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ قَال: - يَا عَائِشَةُ - أَوْ يَا حُمَيْرَاءُ - أَظَنَنْتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَاسَ بِكِ؟ قُلْتُ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُول اللَّهِ وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ قُبِضْتَ لِطُول سُجُودِكَ فَقَال: أَتَدْرِينَ أَيُّ لَيْلَةٍ هَذِهِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال هَذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَل يَطَّلِعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانِ فَيَغْفِرُ لِلْمُسْتَغْفِرِينَ، وَيَرْحَمُ الْمُسْتَرْحِمِينَ وَيُؤَخِّرُ أَهْل الْحِقْدِ كَمَا هُمْ (1) .
5 - وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحِقْدَ كَمَا ذَكَرَ الْمُنَاوِيُّ مِنَ الْبَلاَيَا الَّتِي ابْتُلِيَ بِهَا الْمُنَاظِرُونَ قَال الْغَزَالِيُّ: لاَ يَكَادُ الْمُنَاظِرُ يَنْفَكُّ عَنْهُ، إِذْ لاَ تَكَادُ تَرَى مُنَاظِرًا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ يُضْمِرَ حِقْدًا عَلَى مَنْ يُحَرِّكُ رَأْسَهُ عِنْدَ كَلاَمِ خَصْمِهِ وَيَتَوَقَّفُ فِي كَلاَمِهِ فَلاَ يُقَابِلُهُ
__________
(1) حديث عائشة: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل. . . " أورده المنذري في الترغيب والترهيب (5 / 126 ط السعادة) وعزاه إلى البيهقي في الشعب ونقل عنه أنه قال: " مرسل جيد ". يعني أن فيه انقطاعا.

الصفحة 6