كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 18)

مَنْ كَانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فَقَال عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا ذَاكِرًا وَلاَ آثِرًا. (1) (ر: أَيْمَانٌ) - فِقْرَةَ (17) وَإِثْبَاتٌ - فِقْرَةَ (23) وَإِيلاَءٌ فِقْرَةَ (1) .

الْحُقُوقُ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا التَّحْلِيفُ:
4 - الْحُقُوقُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى.
وَالثَّانِي: حَقٌّ لِلْعِبَادِ.
وَحَقُّ اللَّهِ عَلَى قِسْمَيْنِ:
فَالأَْوَّل: الْحُدُودُ وَلاَ يَجْرِي التَّحْلِيفُ فِيهَا، لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْيَمِينِ النُّكُول، وَهُوَ لاَ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ بَذْلاً أَوْ إِقْرَارًا فِيهِ شُبْهَةٌ، وَالْحُدُودُ لاَ بَذْل فِيهَا وَلاَ تُقَامُ بِحُجَّةٍ فِيهَا شُبْهَةٌ.
وَلأَِنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ قُبِل مِنْهُ وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ فَلأََنْ لاَ يُسْتَحْلَفُ مَعَ الإِْقْرَارِ أَوْلَى وَلأَِنَّهُ يُسْتَحَبُّ سَتْرُهُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهُزَالٍ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ: لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ. (2)
__________
(1) حديث: " ألا إن الله ينهاكم أن. . . " أخرجه بروايتيه البخاري (الفتح 11 / 530 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1266 - 1267 - ط الحلبي) .
(2) حديث: " لو سترته بثوبك كان خيرا لك ". أخرجه أبو داود (4 / 541 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وإسناده صحيح.
الثَّانِي: الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ كَدَعْوَى السَّاعِي الزَّكَاةَ عَلَى رَبِّ الْمَال، لأَِنَّ ذَلِكَ عِبَادَةٌ فَلاَ يُسْتَحْلَفُ عَلَيْهَا كَالصَّلاَةِ، وَلَوِ ادَّعَى عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ أَوْ ظِهَارٍ أَوْ نَذْرَ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرَهَا فَالْقَوْل قَوْلُهُ فِي نَفْيِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، لأَِنَّهُ لاَ حَقَّ لِلْمُدَّعِي فِيهِ وَلاَ وِلاَيَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَضَمَّنَتِ الدَّعْوَى حَقًّا لآِدَمِيٍّ مِثْل سَرِقَةٍ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِحَقِّ الآْدَمِيِّ دُونَ حَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَل، وَيَضْمَنُ.
وَحُقُوقُ الْعِبَادِ تَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا هُوَ مَالٌ أَوِ الْمَقْصُودُ مِنْهُ مَالٌ، فَهَذَا تُشْرَعُ فِيهِ الْيَمِينُ بِلاَ خِلاَفٍ بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ.
فَإِذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ لِلْمُدَّعِي حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَرِئَ، وَقَدْ ثَبَتَ هَذَا فِي قِصَّةِ الْحَضْرَمِيِّ وَالْكِنْدِيِّ اللَّذَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الأَْرْضِ.
الثَّانِي: مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلاَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ مَالٌ كَحَدِّ قَذْفٍ، وَقَوَدٍ، وَمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَال غَالِبًا كَنِكَاحٍ، وَطَلاَقٍ، وَرَجْعَةٍ، وَعِتْقٍ، وَإِسْلاَمٍ، وَرِدَّةٍ، وَجَرْحٍ، وَتَعْدِيلٍ.
فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَالِكِيَّةِ لاَ يُسْتَحْلَفُ فِيهَا لأَِنَّ النُّكُول عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَذْلٌ، وَهَذِهِ الْمَسَائِل لاَ يَصِحُّ فِيهَا الْبَذْل، وَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ النُّكُول إِقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَعَلَيْهِ يَجْرِي التَّحْلِيفُ فِيهَا عِنْدَهُمَا.
أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَكُل دَعْوَى لاَ تَثْبُتُ إِلاَّ

الصفحة 79