كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 19)
كَمَا إِذَا تَمَضْمَضَ فَدَخَل الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلٍ: يَبْطُل الصَّوْمُ وَيَلْزَمُ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ؛ لأَِنَّ الْخَطَأَ عُذْرٌ لاَ يَغْلِبُ وُجُودُهُ بِخِلاَفِ النِّسْيَانِ فَإِنَّهُ عُذْرٌ غَالِبٌ؛ وَلأَِنَّ الْوُصُول إِلَى الْجَوْفِ مَعَ التَّذَكُّرِ فِي الْخَطَأِ لَيْسَ إِلاَّ لِتَقْصِيرٍ فِي الاِحْتِرَازِ فَيُنَاسِبُ الْفَسَادَ، إِذْ فِيهِ نَوْعُ إِضَافَةٍ إِلَيْهِ بِخِلاَفِ النِّسْيَانِ (1) .
وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: عَدَمُ الْبُطْلاَنِ مُطْلَقًا؛ لأَِنَّهُ وَصَل إِلَى جَوْفِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَمْ يَبْطُل صَوْمُهُ كَغُبَارِ الطَّرِيقِ وَغَرْبَلَةِ الدَّقِيقِ وَالذُّبَابِ (2) .
وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ إِنْ بَالَغَ أَفْطَرَ وَإِلاَّ فَلاَ، لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال لِلَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ بَالِغْ فِي الاِسْتِنْشَاقِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا (3) فَنَهَاهُ عَنِ الْمُبَالَغَةِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ وُصُول الْمَاءِ فِي الْمُبَالَغَةِ يُبْطِل صَوْمَهُ لَمْ يَكُنْ لِلنَّهْيِ عَنِ الْمُبَالَغَةِ مَعْنًى، وَلأَِنَّ الْمُبَالِغَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِي الصَّوْمِ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ سَبَبٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ فَهُوَ كَالْمُبَاشَرَةِ، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنَّهُ
__________
(1) شرح فتح القدير 2 / 328، بدائع الصنائع 2 / 1024، حاشية رد المحتار 2 / 406، درر الحكام شرح غرر الأحكام 1 / 202 والشرح الصغير 1 / 709، والمجموع 6 / 326
(2) كشاف القناع 2 / 321 والمجموع 6 / 326
(3) حديث: " لقيط بن صبرة: " بالغ في الاستنشاق ". أخرجه الترمذي (3 / 146 - ط الحلبي) وقال: " حسن صحيح ".
إِذَا جَرَحَ إِنْسَانًا فَمَاتَ جُعِل كَأَنَّهُ بَاشَرَ قَتْلَهُ (1) .
ثَالِثًا: الْخَطَأُ فِي تَعْيِينِ رَمَضَانَ لِلأَْسِيرِ:
40 - إِنِ اشْتَبَهَتِ الشُّهُورُ عَلَى أَسِيرٍ لَزِمَهُ أَنْ يَتَحَرَّى وَيَصُومَ، فَإِنْ وَافَقَ صَوْمُهُ شَهْرًا قَبْل رَمَضَانَ، فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْقَوْلَيْنِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى عَدَمِ الإِْجْزَاءِ؛ لأَِنَّهُ أَدَّى الْعِبَادَةَ قَبْل وُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِهَا، فَلَمْ تُجْزِهِ كَمَنْ صَلَّى قَبْل الْوَقْتِ وَلأَِنَّهُ تَعَيَّنَ لَهُ يَقِينُ الْخَطَأِ فِيمَا يَأْمَنُ مِثْلَهُ فِي الْقَضَاءِ فَلَمْ يُعْتَدَّ لَهُ بِمَا فَعَلَهُ، كَمَا لَوْ تَحَرَّى فِي وَقْتِ الصَّلاَةِ قَبْل الْوَقْتِ.
وَيَرَى بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ (2) .
رَابِعًا: الْخَطَأُ فِي الْوَقْتِ:
41 - لَوْ أَكَل الصَّائِمُ أَوْ جَامَعَ بِاجْتِهَادٍ يَظُنُّ أَوْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْوَقْتَ لَيْلٌ فَبَانَ خِلاَفُ ذَلِكَ، فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي غَيْرِ الْجِمَاعِ عَلَى تَفْصِيلٍ سَيَأْتِي إِلَى أَنَّهُ لَوْ تَسَحَّرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَإِذَا هُوَ طَالِعٌ، أَوْ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ فَإِذَا هِيَ لَمْ
__________
(1) المجموع 6 / 326
(2) المبسوط 3 / 59 وشرح الخرشي 2 / 245 والمجموع 6 / 284 والمغني 3 / 146، والقواعد والفوائد الأصولية ص 90
الصفحة 152