كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 19)

أُضْحِيَّةَ الآْخَرِ أَجْزَأَ عَنْهُمَا وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَأَصْل هَذَا أَنَّ مَنْ ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لاَ يَحِل لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهَا. وَلاَ يُجْزِئُهُ عَنِ الأُْضْحِيَّةِ فِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْل زُفَرَ. وَفِي الاِسْتِحْسَانِ، يَجُوزُ وَلاَ ضَمَانَ عَلَى الذَّابِحِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهَا تَعَيَّنَتْ لِلذَّبْحِ لِتَعَيُّنِهَا لِلأُْضْحِيَّةِ، حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا بِعَيْنِهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُبَدِّل بِهَا غَيْرَهَا، فَصَارَ الْمَالِكُ مُسْتَعِينًا بِكُل مَنْ يَكُونُ أَهْلاً لِلذَّبْحِ آذِنًا لَهُ دَلاَلَةً؛ لأَِنَّهَا تَفُوتُ بِمُضِيِّ هَذِهِ الأَْيَّامِ وَعَسَاهُ يَعْجِزُ عَنْ إِقَامَتِهَا بِعَوَارِضَ، فَصَارَ كَمَا إِذَا ذَبَحَ شَاةً شَدَّ الْقَصَّابُ رِجْلَهَا. وَوَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَيَضْمَنُ، كَمَا إِذَا ذَبَحَ شَاةً اشْتَرَاهَا الْقَصَّابُ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهَا تُجْزِئُ وَلاَ ضَمَانَ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ ضَمَانُهَا.
وَنَقَل الأَْثْرَمُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُمَا يَتَرَادَّانِ اللَّحْمَ إِنْ كَانَ مَوْجُودًا وَيُجْزِئُ، وَلَوْ فَرَّقَ كُلٌّ مِنْهُمَا لَحْمَ مَا ذَبَحَهُ أَجْزَأَ لإِِذْنِ الشَّرْعِ فِي ذَلِكَ (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِيمَا نَقَلُوهُ عَنْ مَالِكٍ إِلَى عَدَمِ الإِْجْزَاءِ، وَيَضْمَنُ كُل وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ الْقِيمَةَ، فَإِذَا غَرِمَ الْقِيمَةَ وَلَمْ يَأْخُذْهَا مَذْبُوحَةً فَالأَْصَحُّ فِي
__________
(1) الهداية 4 / 77، وكشاف القناع 3 / 14، والقواعد لابن رجب ص 237 القاعدة السادسة والتسعون.
قَوْل أَشْهَبَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهَا تُجْزِئُ أُضْحِيَّةً لِذَابِحِهَا.
وَرَوَى عِيسَى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا لاَ تُجْزِئُ (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ ذَبَحَ كُلٌّ مِنْ رَجُلَيْنِ أُضْحِيَّةَ الآْخَرِ ضَمِنَ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ أَيْ قِيمَتَهَا حَيَّةً وَقِيمَتَهَا مَذْبُوحَةً؛ لأَِنَّ إِرَاقَةَ الدَّمِ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ وَقَدْ فَوَّتَهَا، وَأَجْزَأَ كُلٌّ مِنْهَا عَنِ الأُْضْحِيَّةِ لَكِنْ بِقَيْدِ كَوْنِهَا وَاجِبَةً بِنَذْرٍ فَيُفَرِّقُهَا صَاحِبُهَا؛ لأَِنَّهَا مُسْتَحَقَّةُ الصَّرْفِ لِجِهَةِ التَّضْحِيَةِ؛ وَلأَِنَّ ذَبْحَهَا لاَ يَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ، أَمَّا الْمُتَطَوَّعُ بِهَا وَالْوَاجِبَةُ بِالْجُعْل فَلاَ يُجْزِئُ ذَبْحُهَا عَنِ الأَْصْلِيَّةِ لاِفْتِقَارِهِ إِلَى نِيَّةٍ (2) .

ز - الْبُيُوعُ:
أَوَّلاً - بَيْعُ الْمُخْطِئِ:
48 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: بَيْعُ الْمُخْطِئِ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا، وَصُورَتُهُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُول: سُبْحَانَ اللَّهِ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ - بِعْتُ هَذَا مِنْكَ بِأَلْفٍ، وَقَبِل الآْخَرُ - وَصَدَّقَهُ فِي أَنَّ الْبَيْعَ خَطَأٌ. أَمَّا وَجْهُ انْعِقَادِهِ فَلاِخْتِيَارِهِ فِي الأَْصْل، وَوَجْهُ فَسَادِهِ لِعَدَمِ الرِّضَا كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ، فَيَمْلِكُ الْبَدَل بِالْقَبْضِ (3) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ
__________
(1) التاج والإكليل على هامش مواهب الجليل 3 / 252
(2) الشرقاوي على التحرير 2 / 469، 470
(3) تيسير التحرير 2 / 307

الصفحة 156