كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 19)

شُفْعَتِهِ؛ لأَِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَفَا لإِِعْوَازِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ عِنْدَهُ، أَوْ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ.
وَإِنْ قَال: اشْتَرَيْتُ الشِّقْصَ فَعَفَا، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَانَ وَكِيلاً فِيهِ وَإِنَّمَا الْمُشْتَرِي غَيْرُهُ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ؛ لأَِنَّهُ قَدْ يَرْضَى مُشَارَكَةَ الْوَكِيل وَلاَ يَرْضَى مُشَارَكَةَ الْمُوَكِّل (1) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ أَخْبَرَ الشَّفِيعُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فُلاَنٌ فَقَال: قَدْ سَلَّمْتُ لَهُ، فَإِذَا الْمُشْتَرِي غَيْرُهُ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ؛ لأَِنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْمُجَاوَرَةِ، فَرِضَاهُ بِمُجَاوَرَةِ إِنْسَانٍ لاَ يَكُونُ رِضًا مِنْهُ بِمُجَاوَرَةِ غَيْرِهِ، وَهَذَا التَّقْيِيدُ مِنْهُ مُفِيدٌ، كَأَنَّهُ قَال إِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي فُلاَنًا فَقَدْ سَلَّمْتُ الشُّفْعَةَ، فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ غَيْرُهُ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ. وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ فُلاَنٌ وَآخَرُ مَعَهُ، صَحَّ تَسْلِيمُهُ فِي نَصِيبِ فُلاَنٍ وَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ فِي نَصِيبِ الآْخَرِ؛ لأَِنَّهُ رَضِيَ بِمُجَاوَرَةِ أَحَدِهِمَا فَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ رِضًا بِمُجَاوَرَةِ الآْخَرِ (2) . وَلَوْ أَخْبَرَ أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ فَتَسْلِيمُهُ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَل فَلَهُ الشُّفْعَةُ؛ لأَِنَّهُ إِنَّمَا أَسْقَطَ حَقَّهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ أَلْفَ دِرْهَمٍ؛ لأَِنَّهُ بَنَى تَسْلِيمَهُ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ، وَالْخِطَابُ السَّابِقُ كَالْمُعَادِ فِيمَا بَنَى عَلَيْهِ مِنَ الْجَوَابِ، فَكَأَنَّهُ قَال سَلَّمْتُ إِنْ كَانَ الثَّمَنُ
__________
(1) المهذب 1 / 380، 381، وكشاف القناع 4 / 143
(2) المبسوط 14 / 105
أَلْفًا، وَإِنَّمَا أَقْدَمَ عَلَى هَذَا التَّسْلِيمِ لِغَلاَءِ الثَّمَنِ، أَوْ لأَِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا مِنْ تَحْصِيل الأَْلْفِ وَلاَ يَزُول هَذَا الْمَعْنَى إِذَا كَانَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ مِنَ الأَْلْفِ بَل يَزْدَادُ. فَأَمَّا إِذَا كَانَ الثَّمَنُ أَقَل مِنَ الأَْلْفِ فَقَدِ انْعَدَمَ الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ لأَِجْلِهِ رَضِيَ بِالتَّسْلِيمِ فَيَكُونُ عَلَى حَقِّهِ، وَهَذَا لأَِنَّ الأَْخْذَ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ، وَقَدْ يَرْغَبُ الْمَرْءُ فِي شِرَاءِ شَيْءٍ عِنْدَ قِلَّةِ الثَّمَنِ وَلاَ يَرْغَبُ فِيهِ عِنْدَ كَثْرَةِ الثَّمَنِ (1) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: الشَّفِيعُ إِذَا عَلِمَ بِالْبَيْعِ فَلَمَّا أُخْبِرَ بِالثَّمَنِ أَسْقَطَ شُفْعَتَهُ لِكَثْرَتِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الثَّمَنَ أَقَل مِمَّا أُخْبِرَ بِهِ فَلَهُ شُفْعَتُهُ وَلَوْ طَال الزَّمَانُ قَبْل ذَلِكَ، وَيَحْلِفُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَسْقَطَ لأَِجْل الْكَذِبِ فِي الثَّمَنِ.
وَكَذَلِكَ لاَ تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ إِذَا أَسْقَطَهَا لأَِجْل الْكَذِبِ فِي الشِّقْصِ الْمُشْتَرَى، بِأَنْ قِيل لَهُ فُلاَنٌ اشْتَرَى نِصْفَ نَصِيبِ شَرِيكِكَ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى جَمِيعَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَلَهُ الْقِيَامُ بِالشُّفْعَةِ حِينَئِذٍ، لأَِنَّهُ يَقُول لَمْ يَكُنْ لِي غَرَضٌ فِي أَخْذِ النِّصْفِ؛ لأَِنَّ الشَّرِكَةَ بَعْدُ قَائِمَةٌ، فَلَمَّا عَلِمْتُ أَنَّهُ ابْتَاعَ الْكُل أَخَذْتُ لاِرْتِفَاعِ الشَّرِكَةِ وَزَوَال الضَّرَرِ، أَوْ لأَِجْل الْكَذِبِ فِي الْمُشْتَرِي - بِكَسْرِ الرَّاءِ - قِيل لَهُ فُلاَنٌ اشْتَرَى نَصِيبَ شَرِيكِكَ فَأَسْقَطَ لِذَلِكَ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ غَيْرُ الَّذِي سُمِّيَ فَإِنَّ
__________
(1) المبسوط 14 / 105

الصفحة 161