كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 19)
الْيَمِينِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ؛ لأَِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ جَعَل الْهَزْل بِالْيَمِينِ جِدًّا، وَالْهَازِل قَاصِدٌ لِلْيَمِينِ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ فَلاَ يُعْتَبَرُ عَدَمُ رِضَاهُ بِهِ شَرْعًا بَعْدَ مُبَاشَرَتِهِ السَّبَبَ مُخْتَارًا، وَالنَّاسِي بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا أَصْلاً وَلَمْ يَدْرِ مَا صَنَعَ، وَكَذَا الْمُخْطِئُ لَمْ يَقْصِدْ قَطُّ التَّلَفُّظَ بِهِ، بَل بِشَيْءٍ آخَرَ فَلاَ يَكُونُ الْوَارِدُ فِي الْهَازِل وَارِدًا فِي النَّاسِي الَّذِي لَمْ يَقْصِدْ قَطُّ مُبَاشَرَةَ السَّبَبِ، فَلاَ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ نَصًّا وَلاَ قِيَاسًا. (1)
وَفَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ نَوْعَيْنِ مِنَ الْخَطَأِ:
الأَْوَّل - سَبْقُ اللِّسَانِ بِمَعْنَى غَلَبَتِهِ وَجَرَيَانِهِ عَلَى لِسَانِهِ نَحْوُ: لاَ وَاللَّهِ مَا فَعَلْتُ كَذَا، وَاللَّهِ مَا فَعَلْتُ كَذَا.
الثَّانِي - انْتِقَالُهُ مِنْ لَفْظٍ لآِخَرَ وَالْتِفَاتُهُ إِلَيْهِ عِنْدَ إِرَادَةِ النُّطْقِ بِغَيْرِهِ.
وَقَالُوا: إِنَّ الْقِسْمَ الأَْخِيرَ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ وَيَدِينُ أَيْ يُقْبَل قَوْلُهُ دِيَانَةً، كَسَبْقِ اللِّسَانِ فِي الطَّلاَقِ، أَمَّا الأَْوَّل فَيَلْزَمُهُ الْيَمِينُ. (2)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إِلَى لَفْظِ الْيَمِينِ بِلاَ قَصْدٍ فِي حَال غَضَبِهِ: كَلاَ وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ، وَكَذَا فِي حَال عَجَلَتِهِ، أَوْ صِلَةِ
__________
(1) حاشية رد المحتار 3 / 708، فتح القدير 5 / 64، درر الحكام 2 / 39
(2) حاشية الدسوقي 2 / 127، شرح الزرقاني 3 / 51، شرح الخرشي 3 / 52
كَلاَمِهِ، أَوْ أَرَادَ الْيَمِينَ عَلَى شَيْءٍ فَسَبَقَ لِسَانُهُ إِلَى غَيْرِهِ، فَهَذَا لاَ يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ وَلاَ تَتَعَلَّقُ بِهِ كَفَّارَةٌ. (1) فَإِذَا حَلَفَ وَقَال: لَمْ أَقْصِدَ الْيَمِينَ صُدِّقَ، أَمَّا الْحَلِفُ بِالطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ وَالإِْيلاَءِ فَلاَ يُصَدَّقُ فِي الظَّاهِرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُمْ: أَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِإِجْرَاءِ لَفْظِ الْيَمِينِ بِلاَ قَصْدٍ، بِخِلاَفِ الطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ فَدَعْوَاهُ فِيهِمَا بِخِلاَفِ الظَّاهِرِ فَلاَ يُقْبَل، وَلَوِ اقْتَرَنَ بِالْيَمِينِ مَا يَدُل عَلَى الْقَصْدِ لَمْ يُقْبَل قَوْلُهُ عَلَى خِلاَفِ الظَّاهِرِ (2) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ فَيُبَيِّنُ بِخِلاَفِهِ، وَمَنْ سَبَقَ الْيَمِينُ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَلاَ إِثْمَ فِي هَذَا النَّوْعِ وَلاَ كَفَّارَةَ وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالُوا: إِنْ عَقَدَهَا (أَيِ الْيَمِينَ) عَلَى زَمَنٍ خَاصٍّ مَاضٍ يَظُنُّ صِدْقَ نَفْسِهِ كَأَنْ حَلَفَ مَا فَعَل كَذَا يَظُنُّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ فَبَانَ بِخِلاَفِهِ حَنِثَ فِي طَلاَقٍ وَعَتَاقٍ فَقَطْ، بِخِلاَفِ الْحَلِفِ بِاللَّهِ أَوْ بِنَذْرٍ أَوْ ظِهَارٍ؛ لأَِنَّهُ مِنْ لَغْوِ الأَْيْمَانِ.
وَكَذَا إِذَا عَقَدَهَا عَلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ ظَانًّا صِدْقَهُ فَلَمْ يَكُنْ كَمَنْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ يَظُنُّ أَنَّهُ
__________
(1) كفاية الأخيار 2 / 153، المهذب 2 / 128، منهاج الطالبين 4 / 272، 273
(2) كفاية الأخيار 2 / 154، منهاج الطالبين 4 / 272، 273
الصفحة 167