كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 19)

ف - الْخَطَأُ فِي الْقَضَاءِ:
72 - قَال الزَّرْكَشِيُّ: مَدَارُ نَقْضِ الْحُكْمِ عَلَى تَبَيُّنِ الْخَطَأِ، وَالْخَطَأُ إِمَّا فِي اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ حَيْثُ تَبَيَّنَ النَّصُّ أَوِ الإِْجْمَاعُ أَوِ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ بِخِلاَفِهِ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ مُرَتَّبًا عَلَى سَبَبٍ صَحِيحٍ، وَإِمَّا فِي السَّبَبِ حَيْثُ يَكُونُ الْحُكْمُ مُرَتَّبًا عَلَى سَبَبٍ بَاطِلٍ، كَشَهَادَةِ الزُّورِ. (1)
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (قَضَاءٌ) .

الْخَطَأُ فِي تَنْفِيذِ الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ:
73 - مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ: قَال الْكَاسَانِيُّ: إِذَا أَخْطَأَ الإِْمَامُ فَظَنَّ الْيَسَارَ يَمِينًا مَعَ اعْتِقَادِ وُجُوبِ قَطْعِ الْيَمِينِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ.
وَنَظِيرُهُ لَوْ قَال الْحَاكِمُ لِمُقِيمِ الْحَدِّ: اقْطَعْ يَدَ السَّارِقِ، فَقَطَعَ الْيُسْرَى خَطَأً قَال: لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ يَضْمَنُ لأَِنَّ الْخَطَأَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ لَيْسَ بِعُذْرٍ (2) . وَدَلِيلُهُمْ أَنَّ هَذَا خَطَأٌ فِي الاِجْتِهَادِ؛ لأَِنَّهُ أَقَامَ الْيَسَارَ مُقَامَ الْيَمِينِ بِاجْتِهَادِهِ مُتَمَسِّكًا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (3) مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ، فَكَانَ هَذَا خَطَأً مِنَ الْمُجْتَهِدِ فِي الاِجْتِهَادِ، وَهُوَ مَوْضُوعٌ.
__________
(1) المنثور في القواعد 2 / 69
(2) بدائع الصنائع 9 / 4275، 10 / 4779، ومجمع الضمانات 203، وشرح فتح القدير 5 / 290
(3) سورة المائدة / 38
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لَوْ أَخْطَأَ الإِْمَامُ أَوْ غَيْرُهُ فَقَطَعَ يَدَ السَّارِقِ الْيُسْرَى أَوَّلاً، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ عَنْ قَطْعِ يَدِهِ الْيُمْنَى، وَمَحَل الإِْجْزَاءِ إِذَا حَصَل الْخَطَأُ بَيْنَ مُتَسَاوِيَيْنِ، وَأَمَّا لَوْ أَخْطَأَ فَقَطَعَ الرَّجُل وَقَدْ وَجَبَ قَطْعُ الْيَدِ، وَنَحْوِهِ، فَلاَ يُجْزِئُ، وَيُقْطَعُ الْعُضْوُ الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَيُؤَدِّي دِيَةَ الآْخَرِ. (1)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: مَا وَجَبَ بِخَطَأِ إِمَامٍ أَوْ نُوَّابِهِ فِي حَدٍّ، أَوْ تَعْزِيرٍ، وَحُكْمٍ فِي نَفْسٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، فَعَلَى عَاقِلَتِهِ كَغَيْرِهِ، وَفِي قَوْلٍ: فِي بَيْتِ الْمَال إِنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ؛ لأَِنَّ خَطَأَهُ يَكْثُرُ بِكَثْرَةِ الْوَقَائِعِ بِخِلاَفِ غَيْرِهِ، وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ قَطْعًا وَكَذَا خَطَؤُهُ فِي الْمَال. (2)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ زَادَ عَلَى الْحَدِّ فَتَلِفَ وَجَبَ الضَّمَانُ وَفِي مِقْدَارِهِ قَوْلاَنِ:
أَحَدُهُمَا: كَمَال الدِّيَةِ.
وَالثَّانِي: نِصْفُ الضَّمَانِ، وَسَوَاءٌ زَادَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا؛ لأَِنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ.
وَقَالُوا: إِذَا مَاتَ مِنَ التَّعْزِيرِ لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ؛ لأَِنَّهَا عُقُوبَةٌ مَشْرُوعَةٌ لِلرَّدْعِ وَالزَّجْرِ فَلَمْ يَضْمَنْ مَنْ تَلِفَ بِهَا.
__________
(1) تبصرة الحكام 2 / 301، وشرح الخرشي 8 / 93 - 110
(2) نهاية المحتاج 8 / 31، ومنهاج الطالبين 4 / 208، 209، وحاشية القليوبي 2 / 286

الصفحة 173